للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ الله تبَارك وَتَعَالَى، بِخِلَاف الْمُعْتَزلَة فَإِن الْعقل عِنْدهم يُوجب بِذَاتِهِ كَمَا أَن العَبْد موجد لأفعاله. كَذَا ذكره الشَّارِح (ونفاه) أَي وجوب الْإِيمَان (بَاقِي الْحَنَفِيَّة دارية) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصبيّ حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل ". قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: مَعْنَاهُ امْتنَاع التَّكْلِيف، لَا أَنه رفع بعد وَضعه انْتهى، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله: الْأَحْكَام إِنَّمَا تعلّقت بِالْبُلُوغِ بعد الْهِجْرَة، وَقبلهَا إِلَى عَام الخَنْدَق كَانَت تتَعَلَّق بالتمييز: فعلى هَذَا يكون الرّفْع بعد الْوَضع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُمَيز، كَذَا ذكره الشَّارِح (وَرِوَايَة لعدم انْفِسَاخ نِكَاح المراهقة بِعَدَمِ وَصفه) أَي الْإِيمَان كَمَا مر فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الْحَاكِم. (وَاتفقَ غير الطَّائِفَة من البخاريين) من الْحَنَفِيَّة (على وُجُوبه) أَي الْإِيمَان (على بَالغ) عَاقل (لم تبلغه دَعْوَة على التَّفْصِيل) السَّابِق فِي الْفَصْل الْمَذْكُور: وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. (وَهَذَا فصل اخْتصَّ الْحَنَفِيَّة بعقده فِي الْأَهْلِيَّة) أَهْلِيَّة الْإِنْسَان للشَّيْء صلاحيته لصدوره وَطَلَبه مِنْهُ وقبوله إِيَّاه (وَهِي ضَرْبَان: أَهْلِيَّة الْوُجُوب) للحقوق الْمَشْرُوعَة لَهُ وَعَلِيهِ (وأهلية الْأَدَاء كَونه مُعْتَبرا فعله شرعا، وَالْأول بِالذِّمةِ وصف شَرْعِي) أَي ثَابت بِاعْتِبَار الشَّرْع تثبت (بِهِ الْأَهْلِيَّة لوُجُوب مَاله و) مَا (عَلَيْهِ) من الْحُقُوق الْمَشْرُوعَة: إِذْ الْوُجُوب شغل الذِّمَّة، وَأورد عَلَيْهِ أَنه يصدق على الْفِعْل بالتفسير الأول، وَأَن الْأَدِلَّة لَا تدل على ثُبُوت مُغَاير لِلْعَقْلِ وَأجِيب بِمَنْع الصدْق عَلَيْهِ وَلَا يظْهر وَجه الْمَنْع، نعم قد يُقَال: إِن الدَّلِيل يدل على ثُبُوت مُغَاير لِلْعَقْلِ، إِذْ الْمَجْنُون لَهُ أَهْلِيَّة مَاله وَعَلِيهِ فِي الْجُمْلَة (و) قَالَ (فَخر الْإِسْلَام) الذِّمَّة (نفس ورقبة لَهَا) أَي للنَّفس (عهد) والعطف تفسيري (وَالْمرَاد أَنَّهَا) أَي الذِّمَّة (الْعَهْد) الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى - {وَإِذا أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} -: الْآيَة. وَعَن أبيّ بن كَعْب فِي تَفْسِيرهَا جمعهم لَهُ يَوْمئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فجعلهم أَزْوَاجًا ثمَّ صورهم فاستنطقهم فتكلموا، وَأخذ عَلَيْهِم الْعَهْد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم؟ قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة أَنا كُنَّا عَن هَذَا غافلين، فَلَا تكفرُوا بِي فَإِنِّي أرسل إِلَيْكُم رسلًا يذكرونكم عهدي وميثاقي، والْحَدِيث فَإِن قيل كَيفَ قَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة الْآن بذلك الْإِقْرَار وهم لَا يذكرُونَ ذَلِك الْعَهْد، فَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ المُرَاد إِلَّا قيام الْحجَّة يَوْم الْقِيَامَة وهم يذكرُونَ عِنْد ذَلِك إِمَّا بِخلق الذّكر فيهم، أَو بِإِزَالَة الْمُوجب للنسيان، أَو لِأَن الصَّادِق أخْبرهُم بِوُقُوع ذَلِك فلزمهم تَصْدِيقه (فَفِي ذمَّته) أَي فَقَوْل الْقَائِل فِي ذمَّته كَذَا يُرَاد بِهِ (فِي نَفسه بِاعْتِبَار عهدهما من) إِطْلَاق اسْم (الحالّ) وَهُوَ الذمّة (فِي الْمحل) وَهُوَ النَّفس (جعلت) النَّفس (كظرف) يسْتَقرّ فِيهِ الْوُجُوب (لقُوَّة التَّعَلُّق) أَي تعلق الْعَهْد الَّذِي هُوَ منشأ الْوُجُوب بِالنَّفسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>