للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهول وليس هناك إلا عجزه وجهله. ويحرم الكيس الفاضل ولا ذنب له إلا كياسته وفضله. ولكنا تزن الرجال لا الأسماء ونقدر الأعمال لا الأوسمة ونعلم أن العظمة والبطولة تأبى إلا ظهوراً ولو في أحط الطبقات وأدنى المنازل، وكذلك الخسة والضؤولة تأبى إلا وضوحاً ولو في أرقى الطبقات وأرفع المنازل. فلو أن الأمر في عطوفة الوزير كان قاصراً على تقلده الوزارة أو ولايته من قبل ذلك ما قد ذكرنا من الأعمال والمناصب لما بعثنا له القلم من رقاده. ولا كحلنا في سبيه مقلة اليراع بأيمد مداده. ولكن الأمر هو شيء خلاف الألقاب والأسماء والمرتبات والمراتب - هو الشيم والمحامد والمكارم والمناقب، هو الرجولة والفحولة والعظمة والبطولة، تلك هي الأغاني التي بها يشد ويراع البيان. والآيتت التي يرددها كل برهة وآن. والوزير الخطير له من هذه المناقب الحظ الأوفر والمقام الأسمى، وكيف وهو المأثور عنه رأس الفضائل، وأم المزايا، أعني ما نسميه الشخصية المسيطرة، أو السلطان النفسي، أو القوة الروحية. ومعنى ذلك مغناطيسية الشخصية وتأثير روح العظيم على أرواح الخلق بما يشبه تأثير الكهرباء وهذه القوة هي أهم وسائل رقي النوع، إذ كانت جماهير الناس إنما تنقاد لرأي المفكر العظيم، وتذعن لفكرة الرجل الكبير بتأثير هذه الشخصية - قوة هذه الجاذبية. ولقد رأينا الرجل الكبير يقود الأمة الكثيفة بجاذبيته، ويجر عسكر الخليفة بتلك الكهرباء إلى غزوة عوالم المجهول حيث تسبى عقائل العلم وتقتض أبكار الفنون والمعارف، ولو أن بين الكائنات الطبيعية وبين عقل الإنسان صلة إذن والله لسارت الطبيعة وراء الإنسان حيثما توجه خاشعة منقادة ذلولاً، ولعل في جاذبيات بعض البشر ما هو أشبه شيء بالغناء الذي كان يزعم أنه كان يجذب الأنهار والجبال والبحار والآكام والقفار. والهواء والنار. ولسنا نعني بهذه الجاذبية والشخصية المسيطرة وسلطان الروح مرارة الجد وظلمة الوقار، ولا الغلظة والعجرفية، ولا الكبرياء والغطرسة، فإن هذه ضد الجاذبية هذه سبب الصدود والاشمئزاز والنفرة. فأما الجاذبية فمنشؤها البشر والطلاقة وحلاوة اللقاء وعذوبة الشمائل، وهذه كلها هي ترجمة صفاء النفس وائتلاف أجزاء الروح مسطورة في صحيفة الوجه مقروءة في لوح الحيا. وأن يكون الضمير موطن السرور ومهبط الفرح. وهذا الوصف منطبق على عطوفة الوزير كمال الانطباق، بين فيه في أجلى المظاهر. فهو أعزه الله عذب اللقاء معشوق الشمائل، يصطاد