للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإخلاص والهمة والمثابرة ويزداد على قطع المسافات غزارة وكظة. أجل وبمتري الماء الملح من أصول أقصي الأعشاب محولاً وخيم المرائع وموبي المنابت روضة خضراء مخصبة. والعمل لو تعلمون هو الحياة. ترى العامل إذ جد خرج من أعماق قلبه وسويداء لبه هبة الله من القوة - أعني جوهر الحياة السماوي المقدس المنفوخ فيه من روح الله عز شأنه. فإذا خرج من لب الفؤاد ذلك السر ملأ نفسه مروءة ونبلاً. وصدره عرفاناً وعلماً. بل أفعم صدره بالعلم الصادق الحق. فإن أصدق العلم ما كان نتيجة العمل إلا ترى أن بصحة هذا العلم تشهد الطبيعة ذاتها؟ والحقيقة أنك لست جديراً أن تعتد من العلم إلا بما كان ثمرة عملك. فأما ما عدا ذلك فما هو إلا نظريات علمية - أمور تدور عليها مجادلات الطلبة في المعاهد وأشياء تجول على حواشي السحاب في هيئة دوامات جدلية فما تزال تدور حتى نختبرها فنثبتها. وقديماً قبل لا يزيل الشكوك إلا العمل.

أدرك عطوفة الوزير الخطير هذه الحقيقة الكبرى، ومثل الوزير خليق أن يدرك كبير الأمر وصغيره ودقيقه وجليله وباديه وكمينه.

أحاط علماً بكل خافية ... كأنما الأرض في يديه كره

لذلك وقف نفسه على خدمة الأوطان فجعل الجد شعاره والمواظبة دثاره. وتنقل في مناصب الحكومة بعد أن أتم الدراسة في مدارسها فكان أول تعيينه في نظارة الداخلية مترجماً وذلك عام ١٨٨٠ وهو إذ ذاك يناهز السابعة عشرة بمرتب شهري قدره اثنتا عشرة ليرة. وفي عام ١٨٨٣ نعم عليه بالرتبة الثانية وهو لا يزال في نظارة الداخلية. وفي أول أغسطس ١٨٨٥ عين سكرتيراً لدولة ناظر الخارجية المصرية بمرتب شهري ٢٢ ليرة ثم ما زال يرتقي في درج المناصب حتى تقلد إدارة مديرية الفيوم فالمنيا فالشرقية فالدقهلية فالغربية فمحافظة مصر فديوان عموم الأوقاف. واستقال صيانة لصحته عام ١٩٠٧ ولكنه عين في ١٩١٣ وكيلاً للجمعية التشريعية من قبل الحكومة مع منحه امتياز النظار في أمر الحفلات العمومية والمقابلات الخديوية. وفي ١٩١٤ عين ناظراً للخارجية.

وبعد فليس أكبارنا شأن عطوفة المترجم به هو أنه تقلد تلك المناصب الكبار، ولا كان أعظامنا قدره من أجل رتبة أو وسام، فنحن نعلم أنه ليس على حسب الأقدار تعطى المناصب. ولا على قدر الأخطار توهب الألقاب والمراتب. بل تعلم أنه قد يرزق العاجز