للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والروايات، ولعل هذه الآراء لم تجد تأثيراً قوياً في روسيا إلا برواية. (أي ماذا نحن صانعون؟) وضعها منذ سنين الروائي تشرتسفسكي أحد قادة هذه الحركة الثورية، وقد طبعت بعد تصديق أولى الشأن عليها!.

وكانت روسيا منذ عهد بطرس الأكبر عرضة لجملة تطورات إدارية اجتماعية شديدة، وقد تنبأ الكثيرون بأن تطوراً كبيراً قد يحدث برضى من القوة المطلقة وتعاون منها، ولذلك ما كادت تبدأ هذه الآراء تخرج من أفواه دعاتها، حتى انتشرت بسرعة مدهشة، فقد كتب في شتاء عام ١٨٦٢ موظف روسي كبير إلى صديق له كان غائباً عن روسيا شهراً إنك لو رجعت الآن لعجبت للتقدم الذي ظفر به الحزب المعارض، وإن شئت فقل الحزب الثور أن الأفكار الثورية قد استحوذت على جميع الطبقات والأعمار والصناعات والمهن، تعلن جهاراً في الطرق. وتلقي علانية في الثكنات، وتقال في إدارات الحكومة ومصالحها، بل إني لأعتقد أن الشرطة أنفسهم يغضبون لها ويثورون.

كان برنامج الحكومة سهلاً عدلاً واسعاً، وفيه اليسير من الحرية، ولكن كان هؤلاء العدميون طائشين خفاف العقول، فأبوا إلا أن يريدوا انقلاباً سريعاً، وهدماً عاجلاً وأجمعوا يبعثهم نزق الشباب، وقوة الصبا، وبساطة الحياة، وقلق الحداثة، على أن ينهضوا هم بأعباء هذا المذهب المجنون، نافضين أيديهم من أيدي الحكومة خارجين عليها، معارضين لأمرها، ولما لم يكن بأيديهم القوة الكافية للقضاء على الحكومة المركزية، فقد رأوا أن يحببوا الشعب إليهم، ويضموه إلى جانبهم، فمن ثم بدأوا يؤلفون منهم فرقاً وجمادات، لنشر آرائهم، وبسط مذاهبهم، بين طبقات العمال في المدن، والفلاحين في القرى، وأقاموا منهم مروجين ودعاة، يجمعونهم من طلبة الجامعات ومن المدارس الصناعية، ومن مدارس الطب، ومن الفتيات المشتغلات بالتمريض والجراحة والتطبيب، وسكان البلدة الواحدة منهم يتعاونون، ويتسارون، ويتشاورون، ولكنهم لم يحاولوا أن ينشئوا منها نظاماً تاماً، أو زعامة مرتبة منظمة، وكان لكل فرد الحرية التامة في انتخاب الوسائل التي يستطيع بها نشر مذهبهم، فمنهم من تزيا بزي العمال ليدخلوا في دينهم الطبقات الجاهلة من العمال، وفيهم من أقام في القرى مستغلاً بالتدريس، يحاول ويجد ليثير البغض والكراهية للحكومة في نفوس الفلاحين السذج الأغفال، ويسروا لهم في آذانهم أن من الواجب التخلص من موظفي الحكومة،