للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذكاء وقوة الذهن وسعة الروح إلى مرتبة العظماء والفحول، ولم يهبط به الغباء والبلادة إلى درجة العوام والغوغاء. ولكنه وإن لم يكن من عامة الناس فإنه من عامة الكتاب عبارة ومن سوقتهم لفظاً.

وهذا يدعونا إلى الكلام عن الأسلوب فقد كان المرحوم زيدان وغيره من الكتَّاب الأحياء يرون في ذلك رأياً لا يخلو من اعتساف ولا يبرأ من مباينة لوجه الصواب، ذلك أنهم يقولون حسب الكاتب أن يفضي بمعاينة إلى القارئ، فإذا أشرت إلى سوء اختيار اللفظ المراد به العبارة عن المعنى وتعقيد التركيب وركاكة الكلام سخروا منك وقالوا قد كان لك أن تنعى علينا ذلك وتعيينا به لو أدعينا الأدب ولكننا قوم علماء نشرح مسائل العلم ونجلى غوامض الفلسفة، وليس علينا أن تتجلى الفصاحة في كل لفظة من منطوقنا وتتمثل البلاغة في كل فقرة من فقرنا، تلك صناعة الأدباء وذلك ديدن الشعراء وأين نحن منهم وأين هم منا وما كنا لنشوش تآليفنا ونعميها بتكلف الرشاقة والتأنق ونحن أهل شرح وتبين.

هذه خلاصة رأي زيدان يرحمه الله وأنصاره في الكتابة والأسلوب ولو أنهم كانوا أعمق نظراً وأدق فكراً لتبرؤا مثلنا من هذه السخافات الفاضحة والحماقات الشديدة التي اكتظت بها مؤلفات الكتاب لهذا العهد. ذلك أنهم حسبوا الأسلوب ثوباً للمعني وزينة لا جسماً حياً له ارتباطه به كارتباط الزوج بالجسم يضعف بضعفه ويقوي بقوته وظنوه خلاعة ورقة لا أحكاماً ودقة ونسوا أن العبارة إذا اختلت وأخذ الضعف والعي والركاكة والاستبهام بمخنقها نبا عنها الفهم وسئمتها الطباع وأعرضت عنها القلوب لأنه لا معنى من غير لفظ ولا يسلم إلا بسلامة اللفظ وغلا فسدوا ختل وضاع في تضاعيف التقيد وأتعب الغائص عليه الطالب له.

ولسنا نريد أن يكتب الفيلسوف والعالم والمؤرخ والأخلاق كما يكتب الأديب والشاعر والروائي ولا أن يذهبوا إلى فخامة الكلام وجزلته على مذهب العرب القدماء ولا أن يستعملوا ألفاظاً بأعيانها وعبارات معلومة لا ينبغي أن يعدوها أو يستعلموا سواها ولا أن يتركوا المألوف إلى الدارس ولا السهل إلى المتوعر ولا إن يرجعوا إلى عنجهية البادية وخشونة الأعراب ولا أن يتظرفوا بألفاظ مختارة لينة المكاسر حسنة المنطوق والمسموع، ولا أن يحوكوا الألفاظ على حسب الأماني ويخيطوا الكلام على قدود الخيال، ولا أن يأتوا