للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للأشياء من بعد ويطلبوها بكلفة ويأخذوها بقوة لتملتئ الأسماع وتخلوا الطباع، وإنما نريد أن تكون ألفاظهم مهذبة وأساليبهم واضحة وديباجتهم مشرقة وأن يعبروا عن معانيهم بأجلى العبارات ويفصحوا عن أغراضهم بأبين الألفاظ وأن لا يخرجوا عن أصول اللغة وقوانينها حتى لا يتكلف القراء شططا ولا يقاسوا عنتا، فإن فساد التعابير مضيع للمعاني كخشونة الألفاظ وجفوتها - وليست البلاغة بمنافية للسهولة ولا العمل على جودة الألفاظ وسلاسة الكلام وصحة التأليف بمستدع للتقعر بمعنى الكلام والتلمظ بحوشى اللغة. فأما أن يطلبوا صحة المعنى ولا يبالون حيث وقع من هجنة اللفظ وقبحه وشناعته فذلك ما نأخذهم به وننعيه عليهم، وعلى أنى لا أدري كيف يستقيم المعنى وألفاظه مرتبكة ومبانيه مضطربة، هذا ولغة الكتابة في كل أمة غير لغة العامة وغير لسان التحادث والخطاب ولكنها لغة تناسب رفعتها رفعة المعاني وشرف العقل ولا تكون كذلك حتى ينفى الكاتب عنه هذه الألفاظ الوضيعة المضحكة والعبارات القذرة السخيفة. وأحر بمن يكتب تاريخ أدب اللغة ان لا تعلق بعبارته ركاكة ولا يرتمي عليها للابتذال ظل ما.

وليست مؤلفات زيدان إلا فهارس لا تنقع غلة ولا تبل أواما ولا تفيد المطلع عليها إلا كما تفيده الأخصاآت، وليتها بعد ذلك سلمت من معرة الخطأ وخلت من الغلط الفاحش الذي يرجع إلى الإهمال والعجلة. فلا هي جامعة فيرجع إليها عند الحاجة ولا صحيحة فيعتمد عليها ويوثق بها وكذلك ليست رواياته بأرفع مرتبة من سائر تصانيفه وتواليفه فكثيراً ما تجد القصة فيها مشوشة مضطربة لأنه لم يتولها بروية ولم يتعهدها بنظر ولا تدبر وذلك شأنه في كل شيء ولو كان زيدان ذا تؤدة وأناة لما استطاع أن يخرج لقرائه هذا العدد الكبير من الكتب والروايات. على أن ولترسكوت كان سريعاً وكانت كتابة بعض رواياته لا تستغرق أكثر من أسبوعين ولكنه كان ذا سليقة وزيدان ليس له طبع يحور إليه ولا سيلقة تخدمه ولذلك تراه لا يحال أخلاق أبطاله ولا يشرح لك شخصيتهم فعل كبار الروائيين ومجيديهم. ولست أرى فرقاً بين كثير من أبطاله لأنه لم يعن بتمييزهم كما لم يعن بالقصة وكما لم يمن باللغة.

على أنا لا نجحد الرجل فضله ولا ننكر اجتهاده وكده ولكننا آثرنا قول ما نعتقد أنه الحق في تقدير أعماله وقد مضى الرجل لسبيلخ فرحمة الله عليه وألهم آله الصبر والسلوان.