للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد والله سقيتم بنداكم من هذا الضعيف أرضاً، وجعلتم عليه بهذا التكريم نافلة من الشكر وفرضاً، وحقق الله بكم أمل الآملين، وجعل رضاكم من ثواب العاملين، غير أني وإن بالغت في الثناء فما يحسن اللسان، أن يكافئ بعض ما قدمتم من الإحسان، ولو كنت صاحب ألف بيان. . .

علم الله يا سادتي أن هذا الضعيف الواقف أمامكم قد صارع الدهر في سبيل خدمته الأدبية فلم أزل أثير في وجهه غبار العزيمة، حتى ثار من خلفه غبار الهزيمة وكم أشرعت في نحره القلم وكم براه، ولكن الله أجارني وأجاره، وكم أوتر هذا الدهر قوسه ونبل، ورماني من أحداثه بعدد الحصى ورميته من نفسي بجبل.

يكاد صاحب المجلة العربية في بلادنا أيها السادة فيما يكابد من الناس وما يلقى من الأرزاء والإزراء في سبيل الإصلاح وما يجب عليه من الثبات لقاء ذلك - أن يكون كصاحب الكتاب المنزل في أول دعوته وفاتحة نبوته وهيهات يفلح إلا إذا صبر على المكاره كما صبر أولو العزم من الرسل فلو أني حدثتكم بما لقيت في سبيل هذه المجلة وما ألقى الله عليّ من عنت الدهر لرأيتم من أمري كأنما أهدم نفسي أمامكم قطعة قطعة حتى لا يبقى مني إلا هذا القلب وحده وليس فيه غير اليقين بعون الله والثقة بأهل الفضل.

ولو كنت أرمي بعملي هذا إلى الريح لكان أمساكي عن الإنفاق وترك المجلة من السنة الأولى ربحاً كبيراً، فما كانت تلك السنة إلا صدمة زلزلت فيها أركان ثروتي زلزالاً جعلها لا تتماسك فيما بعد! أقبل عليّ الناس بالطلب يتساقط كالمطر وأقبلت عليهم بالثقة فكنت أرسل أعداد البيان في مهاب الرياح الأربع وكان يخيل إليّ أنه يطير في الآفاق على أجنحة الملائكة ولما تم الحول رأيت أن الرياح لا ترجع بشيء وأن الملائكة لا يحصلون قيمة الاشتراك وأن الفساد في أكثر الناس يرجع سببه إلى النية الصالحة في بعض الناس.

يريد الأكثرون عندنا أن يقرأوا وأن يتأدبوا أن يجدوا في خدمتهم عقولاً كبيرة ونفوساً الهية من الشعراء والكتاب والفلاسفة ولكن على شرط أن يكون ذلك كله أو أكثره بلا ثمن بل سلف لله تعالى فإن انخدع بهم صاحب المجلة وذهب يؤاتهم على هذه الرغبة لم تكن الأسنة أو بعضها فإذا هو قد شقي بمجلته وأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية لا على عروشها، ولكن على غروشها، وما زال الفقراء عندنا يريدون أن يقرأوا ولا يستطيعون أن