للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدفعوا والأغنياء يستطيعون أن يدافعوا ولا يريدون أن يقرأوا، فمجلة البيان لبثت في حياتها تقاتل الموت ولولا ذلك لماتت.

لم أقصد أيها السادة إلى الربح من عملي ولا فكرت فيه ولا عملت له فإني أرى أن النفس المادية لا تستطيع أن تتصل حق الاتصال بمجموعة الروحانية التي تتألف منه جمهرة القراء وبالتالي فهي لا تستطيع أن تنبسط على هذه المجموعة شعاعاً ولا أن تخطر عليها نسيماً ولا أن تترقرق فيها ندى فإن غذاء الأرواح كغذاء الأزهار - بالنّير النّير والرقيق الرقيق، ولهذا كان كل أهل الإصلاح من الأنبياء فمن دونهم لا يبالون بالمال ولا بالغنى لمكان الاتصال منهم بتلك المجموعة ومكان الإفاضة عليها، ولهذا أيضاً قنعت قناعة الزهاد، ووقفت نفسي على ما قدّر لها من الجهاد وأبيت أن يكون اتصالي بالقراء من هذا النوع السوقي الذي يشبه اتصال البائع بالمشتري، وأنا أعلم يقيناً أن هذا غرض تتزلزل النفس من دونه ولا يثبت عليه إلا من كان حجراً تحت ضرس الدهر لا يقضمه ولا يهضمه.

فعلت كل ذلك لأنه مبدأ نشأت عليه في صحبتي للأستاذ الإمام حكيم الشرق وأكبر المصلحين فيه المرحوم الشيخ محمد عبده، فقد صحبته وأخذت عنه تسع سنوات كاملة بعد أن قطعت عمراً قبلها في الأزهر وكنت من الذين يدرسون وأخلاق الأستاذ ونفسيته العالية ويستمدون من روحه العظيمة ويقدّرون مستقبلهم على ما يرون من حاضره، ولو أنه رحمه الله تفرغ لإنشاء مجلة لكان له منها أعظم الربح أو أعظم الخسار لأنه لا يبالي بكليهما ولا يسعى لأحدهما وإنما يكون الأمر صورة لذمم القراء. . .

ولما استأثرت رحمة الله بالأستاذ جعلت همي أن أستثمر أدبه فيّ فانصرفت نفسي إلى منزع من الإصلاح أتأتى إليه بعمل ينفع الناس ولم أر إلا الأدب واللغة والرقائق النفسية ففرغت للامتلاء من آثار الأولين والآخرين وما زلت أرصد في مراقب الأيام حتى خرجت من صحف الغيب في أوائل سنة ١٩١١ صحيفة البيان.

ولا أراني في حاجة أن أبسط لكم خطة المجلة ولا ما وقفتها عليه فقد مرّ على ذلك سبع سنوات وهي ربما أغنت في شرح ذلك عن سبعة السن ولكني أشهدتكم على قليل مما لقيت في سبيلها وما أنا بآسف ولا نادم ولا متبرم لأني جد واثق أنه لا يوجد اليوم في مصر المحبوبة رجل مفكر ولا أديب بليغ ولا عالم محقق ولا متأدب يتهيأ لمستقبله العالي إلا وهم