للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حسرات في أثر شبابهن وأفكارهن لا تزال مع الماضي وليس لديهن أدنى عطف على الجيل الحاضر أو ميل إليه ومجاملة له. وكانت الكونتيس مع ذلك تنغمس في لجة الحياة الأرستوقراطية العالية وتركض في ميادين لذاتها وشهواتها وتمعن في أودية غرورها وباطلها - تشهد حفلات الغناء والموسيقى وتحضر المراقص وتشهد الملاعب والملاهي وتجلس إلى موائد المقامرة فتنتبذ في هذه المحافل ناحية من القوم بزاوية من المكان حيث تقعد مدهونة بألوانها وأصباغها مزملة في ثيابها مكللة بحليها العتيقة الطراز القديمة الزي كأنها حلية من حلي البيت وزخرف من زخارفه ولكنها حلية قديمة قبيحة وزخرف عتيق ممقوت عدمه خير من وجوده.

فكلما دخل ضيف تقدم إليها فحياها بانحنائة شديدة عملاً بآداب المجاملة وجرياً على الأصول المتبعة والتقاليد الموروثة، ثم لا تجد بعد ذلك أحد يعيرها أدنى التفاتة وكانت تقيم الحفلات في دارها فتستقبل أهل البلاد كافة وترعى في ملاقاتهم كل آداب الملاطفة والحفاوة وإن كانت قد أصبحت لا تعرف وجوه الزوار والضيوف ولا تذكر واحداً منها.

وكان لديها عدد كبير من الخدم يجلسون كسالى في ردهة غرفتها وفي غرفة الخدام يزجون الوقت بالثؤباء والمطواء ويصنعون ما يشاؤون ويزدادون على مر الأيام ضخامة وسمناً ويتبارون ويتنافسون في سرقة الكونتيس العجوز بكل جرأة وقحة.

أما ليزافيتا فكانت صحية البيت وشهيدة حوادثه ووقائعه فإذا صنعت الشاي اتهمت بالإكثار من السكر وليمت في ذلك. وإذا كلفت بقراءة الروايات للكونتيس أخذت بهفوات المؤلف وسقطاته. وإذا صحبت الكونتيس في غدوانها وروحاتها ألقيت عليها مسؤولية سوء الجو أو رداءة الطريق. وكان لوظيفتها في خدمة الكونتيس مرتب ولكن كانت تقبض مع تكليف الكونتيس إياه أن تلبس من الثياب ما يلبسه خاصة النساء أعني القلائل منهن.

أما في الحفلات والمجتمعات فكانت تمثل أحزن الأدوار وأشقاها فكان يعرفها كل إنسان ولا يكترق لها أي إنسان وفي المراقص كانت لا ترقص إلا إذا اشتدت الحاجة إلى شريك. وكانت النساء لا يمسكن بذراعها إلا إذا احتجنها لحراسة ثيابهن. وكانت ليزافيتا رقيقة الشعور فكانت تتوجع لسقوط منزلتها وتحس لذلك أشد المضض. كل هذا جعلها تتلهف على من ينقذها من هذه العيشة الأليمة وتتلدد حائرة تلتمس بعينها الحزينة مخلصاً لها من