للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بينهما نوع من الصحبة الصامتة والمعرفة الخرساء. فكانت في أثناء جلوسها إلى منسجها تحس دنوه وتشعر باقترابه ثم ترفع رأسها فتنظر إليه وتزداد نظراتها طولاً على ممر الأيام، وكأنما الفتى كان يستأنس بذلك ويرتاح له وكأن عينيه كانتا تنمان عن شكره لها تلك النعمة الجليلة. فكانت ترى بعين الشباب السريعة اللمح الثاقبة النظر تلك الاحمرارة الفجائية التي كانت تصبغ خده الشاحب كلما تلاقت ألحاظهما، وبعد مضي أسبوع بدأت تبتسم إليه. .

لما استأذن تومسكي من جدته في تقديمه إليها أحد أصحابه أخذ قلب الفتاة يخفق بشدة فلما علمت أن ناروموف ليس من فرقة المهندسين تندمت على إفشائها جانباً من سرها إلى تومسكي النزق الخفيف بإلقائها عليه ذلك السؤال.

كان هرمان إبناً لرجل ألماني استوطن روسيا وتجنس بالجنسية الروسية. وكان قد ورث عن أبيه رأس مال صغير. ولصحة اعتقاده بوجوب المحافظة على استقلاله الشخصي واستغنائه عما في أيدي الغير أمسك كل الإمساك عن مساس إيراده الخاص واكتفى بإنفاق مرتبه منصرفاً عن كل أسباب النعيم والترف. وكان فوق ذلك كبير الهمة بعيد المطامح محتشماً وقوراً، وكان لكثرة صمته واحتجازه لا يترك لجلسائه ورفاقه مجالاً للتهكم على بخله وشحه. وكان حاد الشهوات ملتهب الخيال ولكن كان له من القوة والعزم والحزم أمنع وقاية من ارتكاب هفوات الشباب المعتادة فمع فرط ميله للمقامرة لم يمس ورق اللعب طول عمره لأنه كان يرى أن حالته المالية لا تسمح له (على قوله) بتضحيته الضروري أملاً في اكتساب الكمالي ومع ذلك فلقد كان يجلس الليالي الطوال المتولية على مائدة القمار بقلب خفاق يتتبع تقلبات حظوظ اللاعبين وتطورات اللعب.

وكانت قصة الورقات الثلاث قد أحدثت أثراً شديداً في نفسه وأشعلت خياله فجعل يسهر الليل الطويل لا يفكر في سوى ذلك. فقال في نفسه في الليلة التالية وهو يتمشى في شوارع بطرسبرغ: أما لو باحت لي الكونتيس العجوز بسرها العظيم! أما لو خبرتني أسماء الورقات الثلاث الرابحة! لأقدمت على اللعب وارتقبت طالع سعدي.

نعم لا بد لي من التعرف بها والازدلاف إليها لنيل حظوتها - ولو قضت علي الضرورة مغازلتها والتشبيب بمقابحها ومساويء خلقها. . ولكن ذلك يحتاج وقتاً طويلاً والمرأة قد