للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان هرمان يطلع على هذه الخفايا المنكرة والخبايا الممقوتة من أسرار (تواليت) الكونتيس.

وأخيراً بدت العجوز في (طرطور) النوم وجلبابه - فكانت في هذا الزي الذي هو أشبه بسنها وأليق بشخصها أقل قبحاً وأخف بشاعة منها في الحلة الفاخرة والحلي الباهرة.

كانت الكونتيس كسائر العجائز مصابة بالأرق. فلما نضت ثيابها جلست على النافذة على كرسي من طراز فولتير وصرفت الوصائف ثم أخرجت الشموع وتركت الحجرة وليس بها من وسائل الإضاءة إلا قنديل واحد كما كانت قبل فلبثت الكونتيس جالسة بمكانها مصفرة الوجه والبشرة كأنما غمست في كركم تحرك شفتيها المسترخيتين وتترجح يمنة ويسرة.

وكانت عيناها الثقيلتان الكليلتان البليدتان تنم عم عزوب العقل والتدله، ويخيل إلى الناظر أن حركة اهتزاز جثتها ليست حركة اختيارية منها ولكنها ناشئة عن فعل آلة كهربائية مخبوءة في جوفها.

ولكن وجهها الميت تنكر بغتة وتبدل هيئة مدهشة فوقفت حركة ارتعاش الشفتين وفاضت الحياة في العينين، ماذا جرى؟ إن أمام الكونتيس يقف رجل غريب مجهول.

وقال بصوت خفيض واضح: لا تخافي! سألتك بالله لا تخافي! ما كنت أنالك بأدنى مضرة ولا نويت لك قط شراً. إنما جئت لأسألك حاجة.

فنظرت العجوز في صمت كأنما لم تع ما قال. وظن هرمان أن بها صمماً فأدنى فاه من أذنها وأعاد ما قاله أولاً فاستمرت العجوز على سكوتها.

وقال هرمان: إن في يديك ترفيه عيشي وإسعاد حياتي ثم لا نفقة ولا مؤونة عليك في ذلك، وإني لأعرف أنك تستطيعين تسمية ثلاث ورقات من ورق اللعب. . .

وهنا سكت هرمان إذ بدا له أن الكونتيس بدأت تفهم كلامه، وكأنها تعالج نفسها على تهيئة جواب لكلامه.

فقالت بعد الجهد الطويل: لم يكن ذلك إلا أمزوحة ودعابة. وإني أؤكد لك أنها لم تكن سوى أمزوحة.

فأجا بهرمان مغضباً: لا مزاح في الأمر اذكري تشايلنسكي الذي فرجت كربته ونفست غمته وأعنته على استرداد خسائره.