للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأليمة.

ولكن دموع الفتاة المسكينة وفتنة جمالها التي زادها الحزن روعة وسحراً لم تكن لترقق من غلظة كبده مثقال ذرة وكذلك لم يشعر بأدنى وخزة ضمير على ما جنى من قتل العجوز. وإنما ساءه وأحزنه شيء واحد، ضياع ذلك السر الذي كان يرجو من ورائه ثروة هائلة.

وقالت أخير: إنك لوحش ضار. .

فأجاب هرمان: ما اردت قتلها ودليل ذلك أن مسدسي كان خالياً من الرصاص.

بقي الاثنين صامتين.

وبدأ الفجر ينبثق فأطفأت ليزافيتا شمعتها وضاءت الحجرة بضوء الفجر الضئيل الأصفر فأرقأت عبرتها وغيضت دمعتها ورفعت بصرها نحو هرمان وكان جالساً قرب النافذة مضموم الذراعين على صدره وعلى جبينه أشنع عبسات الغيظ والحنق. فكان في هذه الهيئة أشبه الناس طراً بصورة نابليون الأول وأحست الفتاة لهذا الشبه الغريب نوعاً من الدهشة.

ثم قالت أحيراً: كيف السبيل إلى إخراجك من القصر؟ لقد فكرت في إنزالك من السلم السري ولكن ذلك يقتضي المرور خلال حجرة الكونتيس وإني لأخاف أن أدخلها.

فقال: خبريني كيف أهتدي إلى السلم السري أذهب بمفردي.

فقامت ليزافيتا وتناولت من درجها مفتاحاً فأعطته لهرمان ووصفت له طريق الخروج. فضغط هرمان على يدها الباردة المسلوبة القوى ثم قبل رأسها المنكس وخرج من الغرفة.

فانحدر في السلم المتعرج ودخل حجرة الكونتيس مرة أخرى فأبصر العجوز الميتة جالسة مكانها كما لو كانت متحجرة وقد ارتسم على وجهها آيات السكينة التامة والطمأنينة المطلقة.

فوقف هرمان أمامها وأدمن إليها النظر في جد واهتمام كأنما يحاول إقناع نفسه بحقيقة الحادث الجلل.

وأخيراً دخل المقصورة والتمس الباب ثم أخذ يهبط في السلم المظلم وقلبه مفعم بإحساس غريب لا عهد له بمثله.

ثم قال في نفسه: يالله يا لسخرية القضاء! أكبر ظني أن في هذا السلم بعينه ومن هذه