للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تمهيد

١

الوسط الأدبي والعلمي

الذي نشأ فيه جول سيمون

حياة جول سيمون تشغل القرن التاسع عشر بأجمعه فقد ولد في أوله وتوفي في آخريات سنيه وكان قدره في الفلسفة والسياسة كقدر أشباهه وأقرانه الذين ولدوا في فجر هذا القرن وغربت شموس حياتهم قبيل غروب شمسه أمثال فيكتور هيجو وجيزوه وتيير ومن عداهم وكلهم من فحول الأدب والعلم ومن أبطال السياسة. ويصدق على جول سيمون قول من قال أن الرجال ثمرات عصورهم وصور مصغرة لحوادث الجيل الذين يعيشون فيه فقد كان القرن التاسع عشر قرن نهوض سياسي في أكثر أنحاء العالم لاح فجره بتغيير النظام الحكومي في فرنسة وبدئ بانقلاب مماثل له في بلجيقة وبلاد اليونان وايطالية وقامت دول جديدة كدولة محمد علي على ضفاف النيل ودولة المهدي في أحشاء أفريقية. وقام في بلاد الانكليز رجال عاصروا جول سيمون أمثال غلادستون فغيروا الشؤون في بلادهم وكان العالم عدا ذلك كله يخطو خطوات واسعة في ميدان العلم فنشأ من العلماء الطبيعيين أمثال هيكيل في جرمانية وداروين وهوكسلى في انكلترة واستعادت الفلسفة صباها على أيدي أوجست كونت الفرنسي وهربرت سبنسر الانكليزي أما فرنسة ذاتها فقد كانت في القرن التاسع عشر مهد حركة فلسفية أدبية لم ير العالم مثلها فنشأ فيها من فطاحل الكتاب شاتوبريان واضع كتاب اتالا ومالك ناصية النثر ولامارتين الشاعر الجليل الذي كان وهو في فقره المدقع يصل إلى السماكين بخياله السامي وشعره الصقيل: وفيكتور هيجو كاتب المئات من الكتب وناظم مثلها من الدواوين مرعب الامبراطرة ولسان الحق ونصير البائسين والفرد دي موسيه شاعر الليالي وواضع اعتراف فتى العصر وهو الذي تصل معاني شعره إلى النفس قبل وصول صوت الألفاظ إلى الأذن صريع الغواني وقتيل بنت الكروم. وبالزاك القصصي الساحر مؤلف مضحكات الحياة في أربعين كتاباً وعارض أشكال البشر في ألف ألف صحيفة والدايوجين جرانديه طريد الفاقة وحليف الأسى وشيخ كتاب القصص. وميشليه صاحب كتاب تاريخ فرنسة في ثلاثين جزءاً كأنها لعذوبتها السحر