للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بين الجماعات كثير من عشاق المزادات العمومية الذين لا تكاد تفوتهم جلسة من جلساتها أعني غواة الصور من طبقة الأرستقراطيين الذين يرون من أوجب واجباتهم ألا يدعوا فرصة تمر دون أن يزيدوا أعداد ما لديهم من مدخرات الرسوم والتصاوير والذين لا شغل لهم فيما بين الساعة ١٢و٢ إلا حضور هذه الجلسات. يضاف إلى هؤلاء فقراء الأرستقراط الذين يذهبون إلى تلك المزادات في أثوابهم الشريفة البالية لا طمعا في شراء ما يعرض ولكن لمجرد الاطلاع على ما يؤول إليه أمر المزاد.

كان ثمة طائفة من الصور ملقاة بلا نظام ولا ترتيب يخالطها أمتعة من الأثاث وشيء من الكتب عليها أسماء أربابها الذين ما خطر ببالهم قط أن يفضوا أغلفتها وآنية صينية وألواح من رخام المناضد وبسط وأنماط وزرابي ونمارق وكراسي وأرائك وثريات ومصابيح وشتى ضروب من آلات الزخرف والزينة يكدس بعضها فوق بعض أكداس مشوشة مختلطة كأنها كثيب مهيل من الفنون الجميلة.

وكان المزاد قد بلغ أقصى غلوائه.

وكان الجمع المحتشد يتبارك ويتنافس في صورة تأبى إلا لفتا لأنظار أهل الفن واجتذابا لأبصارهم. إذ كانت تبدو في غضونها بلا شك آيات قدرة بديعة وبراعة مدهشة وهذه الصورة التي كان يبدو عليها أثر تكرار التجديد والترميم فكانت تمثل شخص رجل أسيوي في ثياب فضفاضة تنم صفحة وجهه عن معاني رائعة خطيرة. ولكن أغرب ما في الوجه فرط توقد العينين. فكلما أطال إليها المشاهد نظره خيل إليه أن ألحاظها تزداد تغلغلا في أحشائه ونفاذا إلى حبة قلبه هذه الفتنة الغريبة الخداع التي أبدعها المصور بقوة براعته كانت موضع العجب والدهشة من الجميع. وقد بلغوا من ارتفاع ثمن الصورة في المزايدة أن كثيرا من المساومين كفوا أيديهم لعجزهم عما وصلت إليه من الثمن الفاحش الخارق للعادة. ولم يبق غير اثنين من عشاق الصور من طبقة الأرستقراطيين وإنهما قد أصرا على اقتناء الصورة مهما بلغ ثمنها فحمى بينهما وطيس المساومة وقد كانا بلا شك بالغين بالثمن حد الإعجاز والاستحالة لولا ما اعترضهما به أحد النظارة من قولهاسمحا لي أن اقطع تيار المساومة برهة من الوقت فلعلي نم بين سائر الحاضرين أحق الناس بإحراز هذه الصورة.