للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه الكلمات لفتت في الحال أنظار الجميع نحوه. فإذا رجل طويل يناهز الثلاثين أسود الشعر منسدله ينم وجهه الطلق عن فرط الاستخفاف بصروف الزمان وفراغ البال من أكدار الحياة وهموم الدنيا. وكانت ثيابه ساذجة غفلا من آثار التجمل والتأنق وكل ما به دليل ناطق على أ، هـ من أهل الصناعة. ولواقع أنه كان المصور المعروفة محاسن آثاره لدى كثير ممن حضر هذه الجلسة.

واستمر الرجل في خطابه فقال مهما أثارت كلماتي هذه في نفوسكم من العجب فلسوف تحقونها وتبررونها متى وعيتم ما أنا ملقيه عليكم الآن من نبأ هذه الصورة فإني على يقين من أن هذه هي عين الصورة التي ما زلت أدأب باحثا عنها سنين عدة. .

هنا سطعت آية العجب على وجوه لسامعين واشرأبت إلى الرجل أعناقهم وسموا إليه بأبصارهم حتى منادي المزاد نفسه وقف فاغرا فاه دهشة رافعا عصاه في الهواء تهيأ للإنصات إلى النبأ الغريب. وفي مقدمة القصة أقبل الجمع ينظر إلى الصورة فلما انحدر القاص في قصيصه وتدفق في شعاب روايته تحولت إليه الأنظار وانصاعت نحوه القلوب وانقادت الأذهان طوع بيانه. وتعلقت الأرواح بأسلة لسانه. حدث الرجل الجماعة قالتعرفون ذلك الحي من المدينة المسماة كولوما هذا الحي يخالف سائر أحياء موسكو فهو ملجأ المتقاعدين من ضباط الجيش ومأوى الأرامل وموائل الفقراء المعسرين وقصارى القول مثوى كل أولئك الأقوام الذين يصح أن ننعتهم بكلمة الطوائف الغبراء (أي التي لونها لون الغبار) من تراهم كأنما نسجت على ثيابهم ووجوههم وشعورهم وعيونهم طبقة من الغبار أو الرماد التي تكسو الجو في يوم لا شمس فيه ولا غيم. وقد يصادف بين هؤلاء القوم متقاعدو الممثلين ومتقاعدو المحامين ومتقاعدو الفرسان والمقاتلة ذوو الشفاه الوارمة والعيون الخربة.

أجل إن الحياة في حي كولوما تمل وتسأم والعيش فيها لا رونق له ولا مذاق. وقلما تجري فيه المركبات إلا مركبة تحمل ممثلا تنحدر به في الطريق وقد أزعجت روح الصمت والسكون بدوي صريرها وصليلها وقد تحصل في دورها على السكن لمرضي بأزهد أجرة - خمسة روبلات في الشهر ضمنها ثمن القهوة وأعرق سكانها ارستقراطية الأرامل ذوات المعاشات والمكافآت وهؤلاء يسرن سيرة مرضية يصن أعراضهن ويكنسن حجراتهن