للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وانصلاتاً وطمحاً. ولها أثناء ذلك صرير وزئير. وشقشقة وهدير. ثم تثب على فريستها. ورأيت عشرة أو اثني عشر ملاحاً قد ملكهم الروع فلاذوا بالشراع حتى إذا النور من مركبهم إذا عني لووا إليّ السوالف استشرافاً. ومدوا الأبصار استعطافاً. وأتلعوا الأجيادا تشوّفاً. ثم أعقب ذلك في نفسي شعور آخر وهو مقتي منهم ذلك الجبن وإنكاري ذلك الجزع والهلاع - كيف يحجمون عن تلك العقبة التي ما برح يجتازها من خلق الله كل ذي بهاء وجمال. وشرف وجلال. وكان بينهم رجل أعجبت بجلده وثباته. وهو طوال سبط القوام قد قام بمعزل عن القوم يقيم أود قامته ويعدل ميزان جسمه على ذاك المركب المترجح المتمايل كأنما يترفع عن التشبث بالحبال أنفة وكبرياء وكانت يداه معقودتين وراء ظهره ورأسه على صدره منكساً بيد أنه كان يلمح في وقفته هذه الدالة على الأسى معنى من الشمم والعزة والعزم والقوة يدل على أنه ليس ممن يخلد إلى اليأس ويذل للخطوب. أجل لقد علمت من سرعة كرّه الطرف أحياناً وبثه اللحظات حوليه أنه يتلمس مسارب النجاة في مجاهل هذا الخطر المحدق. ومنافذ الحياة في حجب ذلك الحمام المغلق. وبوارق الرجاء في دجنات ذلك اليأس المطبق. وإنه وإن أكثر رجع البصر إلى حيث يرى من دون مزبدات اليّم شخصي على الساحل قائماً فلقد كان والله في إبائه ما منعه أن يستغيثني بأية صورة. ولكنما بقي ثابتاً مكانه صامتاً مظلماً مستبهماً مطرقاً إلى اليمّ صابراً متجملاً يرقب من المقدور كلما جاء به.

وهنا آذن المشكل أن يحل نفسه. فبينا أنا كذلك إذا موجة عظمى تشرف على سائر الموج وتحدو به حداء السائق بالقطيع فغمرت المركب فانحطم شراعه الأمامي وطاح من كان متمسكاً به كما طاح الجراد زهته ريح طاغية. ثم أخذ المركب ينصدع شطرين حيث متون الصخور تحز في مؤخره. فهرع الرجل الطوال المنفرد فاجتاز عرض المركب إلى شيء أبيض فأمسكه وكنت قد رأيت ذلك الشيء من قبل ولم أستبن ما هو؟ فلما رفعه أصابه الضوء فإذا امرأة قد وشحت جلدة مما يتقى به الغرق فحملها إلى جانب السفينة وخلته يحدثها دقيقة أو نحوها كأنما يبين لها استحالة بقائها بالمركب. فكان جوابها من أعجب ما رأيت. وذلك أنها رفعت كفها متعمدة فلطمته على وجهه. فأسكتته اللطمة ولكنه عاود القول ورأيت من حركات يديه أنه يريها ماذا يجب عليها أن تفعل إذا احتواها الماء فانزوت عنه