للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وضربة لازب فليس أجمل والله بك من أن تنتحر فتستريح.

ما قضى الله للجهول بستر ... يتلافاه مثل حتف قاض

وهذا ما عندي والسلام.

ثم هرعت إلى زورقي فركبته لا ألتفت إلى الرجل غير أني ما لبثت أن سمعته يقول لقد حدثتك بادئة نبأي فأما الخاتمة فلسوف تعلمنها يوماً ما.

فلم أجبه وإنما زجيت القارب والتفت بعد برهة فإذا هو ما زال واقفاً على الشاطىء يتبعني نظرة ولهى طويلة. ثم التفت ثانية فإذا هو قد مضى.

واطمأن جانب العيش لي بعد هذا الحادث وركدت نواحيه فلا عثرة ولا عقبة. وجعلت آمل أن يكون الرجل قد رحل عن جواري فيدلني على كذب آمالي آثار أقدامه في الرمل ولا سيما كثيب من رماد التبغ على كثيب قبالة النوافذ من غرفة الفتاة فعلمت أن الرجل ما برح لنا كامناً. وبقيت منزلة الفتاة مني على عهدها لم تقربها زلفي ولم يقصها جفاء. وكانت العجوز في باديء الأمر قد نالها شيء من الغيرة مخافة أن تغصبها الفتاة بعض نفوذها البيتي حتى إذا رأت إعراضي عن الغادة وانقباضي زالت عنها الوحشة وعلودها الأنس والراحة ووجدت في بقاء الفتاة ربحاً لا خسارة إذ أصبحت لها عوناً على عملها وظهيراً.

وها قد أشرفت على نهاية هذا القصص الذي ما كنت لولا لذة أجدها في تدويني لأدونهُ. وكانت خاتمة هذين البشرين من الفجاءة والعجب كالفاتحة وإنما هو حادث ليلة فذة خلصني من شرهما وأطلقني من أذاهما وأفردني بأسفاري ومباحثي مثلما كنت قبل طروئهما. وهاك بيان الحديث.

خرجت إلى الشاطيء ذات مساء نضو مذاكرة طليح بحث وتنقيب لأروّح عن النفس وأريح مكدود الخاطر فما برزت من باب الدار حتى لفت ناظري مشهد الخليج وهيئة الماء. وكان بأكمل حال من الركود تحسبه صحيفة من البلور جامدة الأنحاء يابسة الأرجاء فما به حبك ولا تكسر. ولكن الهواء كان مع ذلك مفعم بذاك الصوت الذي وصفته آنفاً وهو صوت كأن أصداء من طواهم البحر في أحشائه ترسل أنينه تنذر به إخوانهم الأحياء شرّ يوم عصيب. وكانت نساء الصيادين يعرفن ذلك الصوت ويمددن ألحاظاً لهفى سراعاً نحو القوارب التي لا تزال باليم. فلما سمعت ذاك الصوت دخلت الدار ونظرت في مقياس