للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و (لا يَلْزَمُه) أشْبَهُ بالحَقِّ عندي إذا كان لا يُمَيِّزُ (١)، قال المزني: وعِلَّةُ جَوازِ الطلاقِ عنده: إرادَةُ المطَلِّقِ، ولا طلاقَ عِنْدَه على مُكْرَهٍ، لارْتِفاعِ إرادَتِه (٢)، والسَّكْرانُ الذي لا يَعْقِلُ مَعْنَى ما يَقُولُ لا إرادَةَ له؛ كالنّائِمِ لا إرادَةَ له.

فإنْ قِيل: لأنّه أدْخَلَ ذلك على نَفْسِه .. قيل: أوَلَيْسَ وإنْ أدْخَلَه على نَفْسِه فهو في مَعْنَى ما أدْخَلَه عليه غَيْرُه مِنْ ذَهابِ عَقْلِه وارْتِفاعِ إرادَتِه، ولو افْتَرَقَ حُكْمُهُما في المعْنَى الواحِدِ لاخْتِلافِ سَبَبِه مِنْ نَفْسِه ومِن غَيْرِه، لَاخْتَلَفَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ بسَبَبِ نَفْسِه وحُكْمُ مَنْ جُنَّ بسَبَبِ غَيْرِه، فيَجُوزُ بذلك طَلاقُ بعض المجانين.

فإن قيل: ففَرْضُ الصلاةِ يَلْزَمُ السَّكْرانَ ولا يَلْزَمُ المجْنُونَ .. قيل: وكذلك فَرْضُ الصّلاةِ يَلْزَمُ النائمَ ولا يَلْزَمُ المجْنُونَ، فهَلْ تُجِيزُ طَلاقَ النُّوّامِ لوُجُوبِ فَرْضِ الصّلاةِ عليهم؟ فإن قيل: لا يَجُوزُ؛ لأنّه لا يَعْقِلُ (٣) .. قيل: فكذلك طَلاقُ السَّكْرانِ؛ لأنّه لا يَعْقِلُ (٤)، قال الله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: ٤٣]، فلم تكُنْ له صَلاةٌ حتّى يَعْلَمَها ويُرِيدَها، كذلك لا طلاقَ له ولا ظِهارَ حتّى يَعْلَمَه ويُرِيدَه، وهو قولُ عُثْمانَ بنِ عَفّان وابنِ عبّاس وعمر بن عبدالعزيز ويحيى بن سعيد والليث بن سعد وغيرهم، وقد قال الشافعي [ف: ٣٢١٠]: «إذا ارْتَدَّ سَكْرانًا (٥) لم نَسْتَتِبْه في سُكْرِه ولم نَقْتُلْه فيه»، قال المزني: وفي ذلك دليلٌ أن لا حُكْمَ لقَوْلِه: «لا أتُوبُ»؛ لأنّه لا يَعْقِلُ ما يَقُولُ، فكذلك هو في


(١) قوله: «إذا كان لا يميز» من ز.
(٢) كذا في ز ب، وفي ظ: «ولارتفاع إرادته» بالواو.
(٣) زاد في ز: «ما يقول»، وهو في هامش س، وفي ظ: «فإنه لا يعقل».
(٤) زاد في ز: «ما يقول»، وهو في هامش س.
(٥) كذا في ظ س، وفي ب: «السكران»، وفي ز: «سكران».