للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلا عند قصيدته البائية التى مدح بها يزيد بن عمر بن هبيرة وفى رواية أنه مدح بها مروان بن محمد، وهى تلك التى يستهلها بقوله:

جفا ودّه فازورّ أو ملّ صاحبه ... وأزرى به أن لا يزال يعاتبه

فإننا نجده يستهلها بالنسيب ووصف سرى الليل على بعيره وسط الفيافى المقفرة، ويستطرد إلى وصف حمار الوحش وأتنه وما مرّ بها وبه من أيام الربيع المنعشة ثم ما سقط من أيام الصيف اللافحة التى أوقدت العطش فى صدور الأتن وحمارها، فإذا هى تطلب الماء تريد أن تشفى غلّتها منه، وما إن تريد أن تقع عليه حتى يرسل الصائد عليها سهامه. ويمضى إلى مديح يزيد فيوغل فى فخر شديد بقيس قبيلته التى كان لها ولاؤه، ويطيل فى وصف بلائها فى حروب مروان بن محمد وقمع الثائرين عليه. وبشار فى كل ذلك ينزع منزع القدماء حين كانوا يمدحون سادة عشائرهم فيفخرون بمآثر العشيرة ووقائعها الحربية، وكأنه يقصد إلى ذلك قصدا، ولكن لا تظن أنه طابق النموذج القديم تمام المطابقة، فقد أدخل فى نسيج قصيدته خيوطا جديدة، وتلقانا هذه الخيوط واضحة فى نسيبه إذ تحدث فيه عن الصداقة والصديق، وكأنه يستلهم ما كتبه فيهما ابن المقفع بكتابه «الأدب الكبير» كما يستلهم الكلاميين فى قوة البرهان والحجة، فإذا هو يقول (١):

إذا كنت فى كل الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذى لا تعاتبه

فعش واحدا أوصل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه (٢)

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأىّ الناس تصفو مشاربه

ونمضى معه فى وصف مشاهد الصحراء وصفا حيّا، حتى إذا انتهى منه فخر بقيس مواليه وما يذيقون به أعداءهم من بأسهم الشديد حتى ليمحقونهم محقا، يقول:

إذا الملك الجبّار صعّر خدّه ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه (٣)


(١) أغانى ٣/ ١٩٧ وانظر القصيدة فى الديوان ١/ ٣٠٥.
(٢) مقارف: مرتكب.
(٣) صعر خده: تكبر وعتا وبغى.

<<  <  ج: ص:  >  >>