للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدمات الطللية مكتفيا بالغزل. ولما أمره المهدى بالكفّ عن الغزل الماجن أخذ يردد-كما أسلفنا-فى مطالع بعض مدائحه له أنه سيكفّ عن الغزل نزولا على مشيئته. وكان قد وصف السفينة فى إحدى (١) مدائحه لابن هبيرة، ونراه يعود إلى ذلك مرارا فى بعض مدائحه (٢) للمهدى، وكأنه يريد أن يضيف إلى المقدمات الطللية القديمة مقدمة جديدة من بيئته. وقد عكف على معانى المديح القديمة يولّد فيها ويفرّع ويستنبط دقائق كثيرة من مثل قوله فى خالد بن برمك يصف سماحته ونائله الغمر (٣):

إذا جئته للحمد أشرق وجهه ... إليك وأعطاك الكرامة بالحمد

مفيد ومتلاف سبيل تراثه ... إذا ما غدا أو راح كالجزر والمدّ (٤)

وقوله فى عمر بن العلاء قائد المهدى الذى قضى على ثورة الخرّمية بجرجان (٥) فتى لا ينام على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم

يلذّ العطاء وسفك الدّماء ... ويغدو على نعم أو نقم

ويقرن دائما فى مديحه للقواد والولاة الشجاعة إلى الكرم الفياض، ويستنبط منهما دقائق كثيرة مستلهما لطائف عقله ودقائق تصويره، من مثل قوله فى مديح عقبة بن سلم والى البصرة (٦):

إنما لذّة الجواد بن سلم ... فى عطاء ومركب للقاء

كخراج السماء سيب يديه ... لقريب ونازح الدار نائى (٧)

ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء

يسقط الطير حيث ينتشر الح‍ ... بّ وتغشى مازل الكرماء

لا يهاب الوغى ولا يعبد الما ... ل ولكن يهينه للثناء


(١) الديوان ١/ ١٤٧.
(٢) الديوان ٢/ ٢٨٣، ٣/ ٢٨٠.
(٣) أغانى ٣/ ١٩٢ والديوان ٣/ ١٢٥.
(٤) التراث هنا: المال مطلقا.
(٥) المختار من شعر بشار للخالديين ص ٧٧.
(٦) الديوان ١/ ١١١ والأغانى ٣/ ١٨٩.
(٧) خراج السماء: الغبث. السيب: العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>