للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أريحىّ له يد تمطر النّي‍ ... ل وأخرى سمّ على الأعداء (١)

وواضح أنه يجعل لذته فى الكرم والشجاعة، ويصور كرمه واسترساله فيه بالغيث الذى لا مفر من سقوطه على القريبين والنائين. ويجرّد عطاءه عن الغايات، فهو لا يعطى خوفا من هجاء ولا رجاء فى مديح، وإنما يعطى لأنه يجد لذة فى العطاء من حيث هو ويجد فيه استرواحا. ويتمثل عكوف السائلين على بابه بسقوط الطير على الحب. ويصف شجاعته ويقول إنه لا يهاب الموت، وإنه لا يزال يبذل ماله كأنه يريد أن يهينه لمن يثنون على صنيعه. ويصوره مرسلا نداه على السائلين وصواعق الموت على الأعداء الباغين. وتتضح فى هذه القطعة خصائصه، فهو يحاول أن يستقصى المعانى عارضا لها فى وجوه شتى تصور دقة فكره وطرافة أخيلته، مستعينا بالمقابلة والطباق وببعض الحكم كما فى البيت الرابع. وقد أفرد للحكم قصيدة خاصة (٢).

ولم تؤثر لبشار مراث كثيرة، وربما رجع ذلك إلى أنه كان منغمسا فى اللهو وأن نفسه لم تكن مفطورة على الحزن، ومع ذلك فإننا نرى الموت يهز نفسه هزّا حين فقد ابنه محمدا، وفيه يقول (٣):

أصيب بنىّ حين أورق غصنه ... وألقى علىّ الهمّ كلّ قريب

وكان كريحان العروس تخاله ... ذوى بعد إشراق الغصون وطيب

وما نحن إلا كالخليط الذى مضى ... فرائس دهر مخطئ ومصيب

نؤمّل عيشا فى حياة ذميمة ... أضرّت بأبدان لنا وقلوب

ونراه يحزن حزنا عميقا على أصدقائه من الزنادقة الذين فتك بهم المهدى فتكا ذريعا، وكأنما رأى فيهم مصيره الذى ينتظره، وقد مرت فى الفصل السابق قطعة يرثى بها صديقا منهم، وكأنه يرثيهم جميعا وقد ندبه بها أحرّ ندب وأشجاه.

وروى له أبو الفرج ميمية رثى بها خمسة من أصدقائه تقطر أسى وحزنا. ولا نشك


(١) أريحى: كريم يهتز للندى. النيل: العطاء.
(٢) الديوان ١/ ٢٥٢.
(٣) الديوان ١/ ٢٥٤ والأغانى ٣/ ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>