للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افتخارا يحاول به أن يبلغ عنان السماء على نحو ما رأينا فى قصيدته البائية وعلى شاكلة قوله (١):

إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشّمس أو تمطر الدّما

إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة ... ذرى منبر صلّى علينا وسلّما

وإذا مضينا معه إلى العصر العباسى، عصر انتصار الفرس على العرب وجدنا شعوره بالعصبية القبلية يتحول إلى شعور جديد بالعصبية الجنسية، فإذا هو يفاخر العرب بماضى قومه التليد، وإذا هو يتحول شعوبيّا مارقا يتغنّى بأمجاد قومه الحضارية كافرا بالعرب والعروبة، وتصوّر هذه النزعة عنده أدق تصوير قصيدته (٢):

هل من رسول مخبر ... عنى جميع العرب

وهى صياح وضجيج بتصوير أبّهة الملك الفارسى وأيضا الملك الرومى، إذ زعم أن الروم أخواله، هاتفا هتافا مقذعا بالعرب ومعيشتهم البدوية الخشنة.

واصطدم بشار بكثير من الشعراء، وجرّ عليه هذا الاصطدام بلاء كثيرا وخاصة من حماد عجرد الذى سلقه بلسانه، وأصلاه بناره، مما جعل معارك هجائيه عنيفة تنشب بين الوعلين على نحو ما مر بنا فى الفصل السابق وهى معارك كانت تستخدم فيها غالبا مقطوعات قصيرة، تشبه أدقّ الشبه سهاما مسمومة، وقد اختلفت أنواع السموم التى كانا يغمسانها فيها، فتارة يعمدان إلى التهوين والتحقير، وتارة يعمدان إلى انتهاك العرض وقذف الزوجات والأخوات والأمهات، مع محاولة كل منهما تلطيخ صاحبه بتهمة الزندقة. ومما نسوقه من ذلك قول بشار فى أم حماد (٣) إذا سئلت لم تكن كزّة ... ولكن تذوب ولا تجمد

ووراء هذا البيت فى القصيدة أبيات يصرح فيها بفجرها وغوايتها تصريحا تتقزّز منه النفس الكريمة.

واشتهر بشار بالتفنن فى الغزل، ويتضح فيه عنده تمثله لكل ما نظم فى هذا الفن قديما من التشبيب والنسيب وبكاء الديار، ومن الغزل المادى عند عمر بن


(١) أغانى ٣/ ١٦٢.
(٢) الديوان ١/ ٣٧٧ وانظر ٣/ ٢٢٩.
(٣) الديوان ٣/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>