للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ليصور جانبه الحيوان الجشع، عامدا إلى التفصيل أحيانا (١)، وأحيانا إلى الإجمال بمثل قوله (٢):

فبتنا معا لا يخلص الماء بيننا ... إلى الصبح دونى حاجب وستور

وقد مضى يحضّ حضّا صريحا على الإثم ويغرى الناس بفتنة الجسد، وكأنما لم يعد لجمال المرأة عنده من معنى نفسى سام، فقد ردّ جمالها كله إلى جسدها وأصبحت فى رأيه أداة للغريزة الجنسية، أداة طيعة تنال مهما تأبّت واستعصت، إذ لا تلبث أن ترضى وأن تبلغ الرجل منها ما يريد، يقول (٣):

لا يؤيسنّك من مخبّأة ... قول تغلّظه وإن جرحا

عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعد ماجمحا

ويحاول أن يبرر المعصية، فيحلّ القبلة، ويغرى باجتناء زهرات الجسد واقتطاف ثمراته، بل خطيئاته، دون التفات إلى الناس وإلى عرفهم وألسنتهم، فالحياة فرص واستماع جسدى، بل هجوم على هذا الاستمتاع وما يطوى فيه من لذة وإثم، يقول (٤):

قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم ... ما فى التلاقى ولا فى قبلة حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج

ومن أجل ذلك كله ضاق به الوعاظ وأهل الصلاح وهتفوا به فى وعظهم وكلامهم، ولم يرعو فرفعوا أمره إلى السلطان، وتدخل المهدى ونهاه فانتهى، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن شاع غزله الفاجر على كل لسان، وكان مما هيأ لذلك تعلّق الجوارى والقيان بهذا الغزل وتغنيهن فيه، وكان جمهورهن مثل بشار لا يعصمهن خلق ولا عرف ولا دين، وكان قد انغمس بعض الناس فى اللذات. وقد يكون من المبالغة أن نجعل بشارا وحده المسئول عن شيوع هذا الغزل العاهر، فقد كان يشركه فيه المجان من حوله فى البصرة والكوفة وبغداد، ولكنه على كل حال يعد


(١) أغانى ٣/ ١٨٣ وما بعدها.
(٢) المختار من شعر بشار ص ٢٤١.
(٣) أغانى ٣/ ٢٠٩.
(٤) أغانى ٣/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>