للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن رطبة (١) غريبة على عبد نهم (٢) وصبى جشع وأمة لكعاء (٣) وزوجة خرقاء (٤). وليس من أصل الأدب ولا فى ترتيب الحكم ولا فى عادات القادة ولا فى تدبير السّادة أن يستوى فى نفيس المأكول وغريب المشروب وثمين الملبوس وخطير المركوب والناعم من كل فن واللباب من كل شكل التابع والمتبوع والسيد والمسود كما لا تستوى مواضعهم فى المجالس ومواقع أسمائهم فى العنوانات وما يستقبلون به من التحيات. . وعبتمونى بخصف (٥) النعال وبتصدير (٦) القميص، وحين زعمت أن المخصوفة من النعل أبقى وأوطأ (٧) وأقوى وأنفى للكبر وأشبه بالنّسك، وأن الترقيع من الحزم، وأن الاجتماع مع الحفظ. وأن التفرق مع التضييع. وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويقول: «لو أتيت بذراع لأكلت، ولو دعيت إلى كراع (٨) لأجبت» ولقد لفقت (٩) سعدى بنت عوف إزار طلحة (١٠) وهو جواد قريش، وهو طلحة الفياض، وكان فى ثوب عمر رقاع أدم وقال: من لم يستحى من الحلال خفّت مؤونته وقلّ كبره، وقالت الحكماء: لا جديد لمن لم يلبس الخلق (١١). . فترقيع الثوب يجمع مع الإصلاح التواضع، وخلاف ذلك يجمع مع الإسراف التكبر، وقد زعموا أن الإصلاح أحد الكسبين، كما زعموا أن قلة العيال أحد اليسارين. . وعبتمونى حين قلت: لا يغترّنّ أحدكم بطول عمره وتقوس ظهره ورقة عظمه ووهن قوته وأن يرى أكرومته (١٢) فيدعوه ذلك إلى إخراج ماله من يديه وتحويله إلى ملك غيره وإلى تحكيم السّرف فيه وتسليط الشهوات عليه فلعله أن يكون معمّرا وهو لا يدرى، وممدودا له فى السنّ وهو لا يشعر، ولعله أن يرزق الولد على اليأس أو يحدث عليه بعض مخبّآت الدهور، مما لا يخطر على البال ولا تدركه العقول فيسترده ممن لا يرده، ويظهر الشكوى إلى من لا يرسمه أضعف ما كان عن


(١) الرطبة: التمر المرطب.
(٢) نهم: شره.
(٣) لكعاء: لئيمة.
(٤) خرقاء: حمقاء.
(٥) خصف النعال: ترقيعها وإصلاحها
(٦) تصدير القميص: ترقيع صدره.
(٧) أوطأ: ألين.
(٨) الكراع: مستدق الساق.
(٩) لفقت: ضمت جانبا منه إلى آخر وخاطتهما.
(١٠) هو طلحة بن عبيد الله كان غيثا مدرارا فى الكرم فلقب بالفياض.
(١١) الخلق: البالى.
(١٢) الأكرومة: فعل الكرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>