للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لا يستطيع أن يتعدّى ... قدرا ما لحكمه من مردّ

فهو ينصح بعيش الكفاف وبالزهد فى كل ما وراء ذلك من فضول ومتع لا تفيد إلا اللهو والطغيان والهلاك إن كان يمكن أن يفيد الطغيان والهلاك أحدا. ولا يزال الحريص يدفعه حرصه إلى غير قليل من الشقاء والنكد والتعب، ومع ذلك لن يعدو ما كتبه له القضاء.

ولشعراء مكة والمدينة مدائح نبوية كثيرة، على نحو ما نجد عند النّشو، وقد سقنا له فى ترجمته مثالا، ولمحب الدين الطبرى المكى المتوفى سنة ٦٩٤ مدحة نبوية استهلها بقوله: «رحلت إلى المختار خير البرية» ذكر فيها المنازل بين مكة والمدينة، ولابنه محمد مدحة نبوية بارعة يقول فى أولها (١):

أنخ أيها الصّادى الشديد ظماؤه ... ورد منهلا أحلى من الشّهد ماؤه

وسل عند باب المصطفى أىّ حاجة ... أردت وما تهوى فرحب فناؤه

ووراء هاتين المدحتين عشرات من المدائح يكفى أن نشير إليها، ولشاعر متأخر يسمى عبد العزيز الزمزمى المكى ديوان مديح فى الرسول والصحابة.

وكثر بجانب ذلك الغزل الصوفى فى مكة والمدينة، من مثل قول أبى إسحق المكى المتوفى سنة ٧٢٣ للهجرة (٢):

معذّبتى كم ذا الصّدود إلى متى ... مضى عمرى والوصل منك أروم

فجودى ورقّى أو فجورى وعذّبى ... فما القلب إلا فى هواك مقيم

وفى كتابى سلافة العصر ونفحة الريحانة لشعراء مكة والمدينة فى القرن الحادى عشر الهجرى مدائح ومناجيات وتوسلات مختلفة (٣).

وإذا تركنا الحجاز إلى اليمن لقينا قصيدة بديعة لأبى بكر العيذى ابتدأها بوصف غرام له بالحجاز ليس يدفعه، وينقاد له قلبه ويتبعه، ويأخذ فى وصف مكة ويذكر مناسك الحج منسكا منسكا، ثم ينتقل إلى وصف يثرب بمثل قوله (٤):

وفى ربى يثرب غايات كلّ هوى ... يجلّ عن موقع الأشواق موقعه

حيث النبوّة مضروب سرادقها ... والفضل شامخ طود الفخر أفرعه

وخاتم الأنبياء المصطفى شرفا ... محمد باهر الإشراق مضجعه

صلى الإله عليه ما تكرّر بالصّ‍ ... لاة فرض مصلّ أو تطوّعه


(١) العقد الثمين ١/ ٢٩٥.
(٢) العقد الثمين ٣/ ٢٤٥.
(٣) انظر مثلا سلافة العصر ص ١٤٧، ٢٥٤.
(٤) الخريدة (قسم الشام) ٣/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>