للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصيدة تكتظ بالحنين إلى الحج وزيارة قبر الرسول عليه السلام، حنينا يشمل كل المواضع هناك، وكأنما يريد أن يعانقها، فهى هواه وحبه وأماكن افتتانه وصبابته. وتكثر فى اليمن كما كثرت فى مكة والمدينة الأدعية والابتهالات كما يكثر الشعر الصوفى والمديح النبوى، وممن اشتهر بهما عبد الله (١) بن أسعد اليافعى اليمنى نزيل مكة وشيخ الحرم، ولد سنة ٦٩٨ ونشأ بعدن واختلف إلى العلماء فيها، وحج فى سنة ٧١٢ وعاد فأحب الخلوة والانقطاع عن الناس والسياحة فى الجبال، ولزم شيخا صوفيا يسمى الشيخ الطواشى، فسلكه فى الطريق. وعاد إلى مكة وجاور بها ملازما للعلماء نحو عشر سنوات، ورحل إلى الشام، كما رحل إلى مصر وكانت أكثر إقامته بها فى القرافة فى مشهد ذى النون المصرى.

وعاد إلى الحجاز وجاور بالمدينة مدة ثم تركها إلى مكة، وعاد إلى اليمن سنة ٧٣٨ لزيارة شيخه الطواشى. وألقى عصاه بمكة وتوفى بها سنة ٧٦٨ وله فى الصوفية وتراجمهم كما مرّ بنا كتاب «روض الرياحين وحكايات الصالحين» ومن غزله الصوفى قوله (٢):

قفا حدّثانى فالفؤاد عليل ... عسى منه يشفى بالحديث غليل

أحاديث نجد علّلانى بذكرها ... فقلبى إلى نجد أراه يميل

ولا تدكرا لى العامريّة إنها ... يولّه عقلى ذكرها ويزيل

ولكن بذكرى عرّضا عندها فإن ... تقل كيف هو قولا بذاك غليل

فإن تعطفى يشفى وإن تعرضى ففى ... هواك المعنّى المستهام قتيل

وهو يصور حبه ووجده وهيامه بليلى العامرية رامزا بها إلى الذات الإلهية دون تغلغل فى حلول أو اتحاد أو فناء، فتصوفه تصوف سنى، يقف عند إعلان المحبة الإلهية ولا يعدوها، فهو محب مولّه، وحسبه أن يصور ولهه وحبه. وله بجانب هذا الغزل الصوفى مدائح نبوية كثيرة، من مثل قوله فى إحدى مدائحه (٣):

نبىّ علا فوق السّموات منصبا ... بدا نوره من قبل نشأة آدم

به الدّهر أضحى ضاحكا متبسّما ... عبوسا على أعدائه غير باسم

علا فوق كل المصطفين مقرّبا ... بأعلى مقام ماله من مزاحم

وهو فى البيت الأول يستلهم فكرة الحقيقة المحمدية المعروفة عند الصوفيين وما يتصل بها من فكرة أزلية النور المحمدى. وابنه عبد الرحمن يحاكيه فى الجانبين من شعر التصوف


(١) انظره فى العقد الثمين ٥/ ١٠٤ والنجوم الزاهرة ١١/ ٩٣ والدرر لابن حجر (طبع دار الكتب الحديثة) ٢/ ٣٥٢ والبدر الطالع ١/ ٣٧٨ وتاريخ ثغر عدن لبامخرمة ٢/ ١٠٩.
(٢) العقد الثمين ٥/ ١١١.
(٣) العقد الثمين ٥/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>