للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم المديح النبوى. ومن شعراء التصوف اليمنيين محمد بن إبراهيم بن الوزير (١)، وله ديوان سماه «مجمع الحقائق والرقائق فى ممادح رب الخلائق». وقد نشر فى القاهرة باسم مدائح إلهية، وعنى محمد بن إسماعيل الصنعانى الذى ترجمنا له بين شعراء الدعوة الوهابية بشرحه وسمى الشرح: «فتح الخالق فى شرح مجمع الحقائق». وقد ترجم له الشوكانى فى كتابه البدر الطالع ترجمة ضافية ذكر فيها أنه ولد سنة ٧٧٥ وقال إنه عنى بالتأليف وذكر بعض مؤلفاته، وقال إنه لم يلبث أن أقبل على العبادة وانقطع عن الناس حتى وافاه أجله سنة ٨٤٠ هـ‍/١٤٣٦ م. والديوان جميعه شعر صوفى سنى، ولكنه لا يتخذ الغزل وسيلة فى التعبير، بل يسلك إلى ذلك مسالك العباد النساك من التوجه إلى الله بالتضرع والرجاء وحسن التوكل والشكر والتخويف من غضب الله وطلب العفو منه والغفران، على شاكلة قوله فى التضرع والرجاء والتوكل:

أرجّيك إذ كنت أهل الرّجا ... وأخشاك إنى من الظالمينا

وأسألك العفو إذ كنت قد ... علمت بحبّك للسائلينا

وفوّضت أمرى بعد الدّعا ... بحقّ إلى أحكم الحاكمينا

إذا شئت أعفيتنى من ذنوبى ... وسامحت يا أرحم الرّاحمينا

وهذا الذى أنت أهل له ... وأنت تحثّ به المحسنينا

وأنت الذى قلت لا تقنطوا ... خطابا خصصت به المسرفينا

وهو يشير فى البيت الأخير إلى قوله تعالى: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ}. وهو يكثر من نظم الآيات القرآنية فى الديوان، وهذه الأبيات من أعذب ما فيه لغة وأسلوبا. وتبدو الكثرة وكأنها شعر وعظ مرصوف أو مركوم بعضه فوق بعض. وربما كان الذى دفع محمد بن إبراهيم بن الوزير إلى هذه الطريقة فى شعر التصوف معاصره إسماعيل (٢) بن أبى بكر المعروف بالمقرئ الشافعى شيخ الفقهاء فى زبيد وتهامة، فإنه حين رأى جماعة من صوفية زبيد أوهموا من ليس له كثير نباهة علو مرتبة ابن عربى ونفى العيب عن كلامه هاجمه وهاجم طريقته وكل ما اتصل بها من فناء فى الله جل شأنه ومن حلول واتحاد، وأودع ذلك قصائد طنانة كان لها دوى بعيد فى اليمن فانصرف الشعراء أو كثير منهم فى عصره-كما يبدو-عن الشعر الصوفى القائم على تصوير


(١) انظر البدر الطالع ٢/ ٨١ وراجع ديوانه «مدائح إلهية» طبع المطبعة السلفية بالقاهرة.
(٢) انظر فى ترجمته البدر الطالع ١/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>