للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحبة الإلهية، تصويرا ينتهى إلى الإيمان بالاتحاد بالذات العلية وما إلى ذلك مما يردده أصحاب المنزع الصوفى الفلسفى.

ويفيض كتاب نشر العرف بشعر وعظ وزهد كثير فى الحقب المتأخرة على أنه ينبغى أن نذكر أنه شاع فى اليمن شعر صوفى متجوّل بأخرة من العصر كان المداحون يغنونه على نقر الطّار والطّبل، وأكثره فى المديح النبوى لأكبر صوفية اليمن عبد الرحيم البرعى، وسنخصه بكلمة مفردة.

ويكثر المديح النبوى والشعر الصوفى فى حضرموت ويفيض كتاب تاريخ الشعراء الحضرميين بهما وبزهديات كثيرة، حتى ليظن الإنسان أنه لم يوجد شاعر هناك إلا وتغنى بمديح الرسول صلى الله عليه وسلم وببعض غزليات صوفية وأشعار زهدية، ولأبى بكر العيدروس (١) المتوفى سنة ٩١٤ هـ‍/١٥٠٨ م ديوان صوفى سماه محجة السالك وحجة الناسك وهو يزخر بالشعر الصوفى، وكثير منه بالعامية اليمنية، فهو-كما يسمونه-شعر حمينى. وهو صوفى سنى وجميع صوفية حضرموت سنيون ومن قوله:

نعم لوصحّ تحقيقى شهودى ... لأشغلنى الشّهود عن المقال

ولوحلّ اليقين صميم قلبى ... لكنت هجرت فى المولى الموالى

ولو كان الحضور نزيل صدرى ... لما بالغير لذّ لى اتصالى

وهو يصرح بأنه لم يصل إلى مرتبة الشهود للحضرة الإلهية فضلا عن الفناء فى الذات العلية وانفصاله عن وجوده البشرى، حتى لا يكون هناك موجود ولا مشهود سوى الله.

وهو بذلك صوفى سنّى، ويناجى ربه مناجيات كثيرة خاشعا متضرعا، ويمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعد من كبار الصوفية الحضارمة. ولعمر (٢) بامخرمة المتوفى سنة ٩٥٢ هـ‍/ ١٥٤٥ م شعر صوفى تكثر فيه المناجيات والاستغاثات والتوسلات والمدائح النبوية ومن قوله فى أحد توسلاته:

الله يا من لا إله نؤمّه ... إلا هو انظرنى بعين تفضّل

يا من هو الله العظيم ومن له ال‍ ... عرش العظيم ومن عليه توكلى

يا من يغيث المستغيث بغوثه ... غوثاه أدركنى عدمت تحيّلى

ومن متصوفة حضرموت عبد الله (٣) الحداد العلوى. وقد أنشد له الثقاف أشعارا كثيرة فى التصوف والزهد والمديح النبوى والرجاء والصبر على الشدائد وفى الأشواق والمواعظ وفى


(١) تاريخ الشعراء الحضرميين ١/ ١٠٥ وما بعدها
(٢) تاريخ الشعراء الحضرميين ١/ ١٣٠.
(٣) نفس المصدر ٢/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>