للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انظر إلى الشمس فوق النيل غاربة ... واعجب لما بعدها من حمرة الشّفق

غابت وأبدت شعاعا فيه يخلفها ... كأنما احترقت بالماء فى الغرق

وللهلال فهل وافى لينقذها ... فى إثرها زورق قد صيغ من ورق (١)

وهى صورة خيالية بديعة، فقد غابت الشمس بل احترقت فى النيل وخلّفت فيه شعاعا، كما خلفت على صفحة الأفق حمرة الشفق، ويتسع به الخيال فيتصور الهلال زورقا من فضة جاء لإنقاذها من الغرق. ويموج بصدر البهاء زهير الحنين إلى مصر وهو مع الملك الصالح فى الديار الشرقية نواحى الفرات، فيتشوق إلى النيل ورحلاته النيلية فيه، وينشد (٢):

حبذا النيل والمراكب فيه ... مصعدات بنا ومنحدرات

وليالىّ بالجزيرة والج‍ ... يزة فيما اشتهيت من لذّاتى

بين روض حكى ظهور الطواوي‍ ... س وجوّ حكى بطون البزاة (٣)

حيث مجرى الخليج كالحيّة الرّق‍ ... طاء بين الرياض والجنّات

هات زدنى من الحديث عن النّي‍ ... ل ودعنى من دجلة والفرات

إنه يذكر ذكرى عطرة رحلاته النيلية وامواج النيل تصعد بقاربه وغيره من القوارب وتنحدر، وماتنى صاعدة منحدرة، كما يذكر ذكرى عطرة مجالس أنسه فى الجيزة وجزيرة الروضة والطبيعة متبرجة بأزهارها وورودها من حوله وهى مختلفة الألوان البهيجة كأنها ألوان الطواويس فى جو صاف صفاء بطون البزاة الطائرة، والنيل يجرى فى خلجانه وبين رياضه كأنه حيات تسعى، حيات لا تنفث السم بل تنفث الحياة فى الوديان والسهول الخضراء الجميلة، ويخفق قلب البهاء مرارا بهذا الحنين فى أشعاره. وتظلّ مصر أيام المماليك ويظلّ الشعراء يتغنون بالطبيعة المصرية ومفاتنها الرائعة من النيل وقواربه ونزهاته وأشجاره وأزهاره، ولابن مكانس المتوفى سنة ٧٩٤ وصف لشجرة سرو باسقة قصد موضعها مع بعض رفاقه، ووصف معها القارب المطلى بالقار الذى ركبوه، يقول (٤)

مالت على النّهر إذ جاش الخرير به ... كأنها أذن مالت لإصغاء


(١) ورق: فضة.
(٢) البهاء زهير ص ٢.
(٣) البزاة: جمع بازى وهى جنس من الصقور الصغيرة طويلة الساق والذنب.
(٤) خزانة الأدب للحموى ص ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>