للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حزن أبى قطيفة الأموى على فراق هذا المجتمع حين نفاه ابن الزبير هو وغيره من الأمويين إلى دمشق، فقد أخذ يبكى بلدته فى شعر مؤثّر، مقارنا بينها وبين دمشق. ولا نقرأ هذا الشعر حتى نحس كأنه طرد من فردوسه الأرضى، يقول (١):

القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون

ويقول (٢):

أقطع الليل كلّه باكتئاب ... وزفير فما أكاد أنام

إلى أشعار كثيرة (٣) تصور رقة حسه وحنينه بل لهفته على الحياة الهنيئة فى مسقط رأسه، مما جعل ابن الزبير يعفو عنه ويأذن له فى الرجوع.

وفى هذا الجو الرقيق الذى زخر بالغناء والمرح نهض الشعر فى المدينة نهضة واسعة. وقد تعاونت على هذه النهضة عناصر كثيرة من الأنصار وممن هاجر إليهم من قريش وغيرهم وممن تعرّب فى بلدتهم من الموالى وأبنائهم تعربا تامّا.

ويستطيع القارئ أن يرجع إلى كتاب الأغانى حيث يجد أبا الفرج يترجم لكثرة غامرة من شعراء المدينة لهذا العصر، وممن ترجم له من الأنصار عبد الرحمن ابن حسان وابنه سعيد والنعمان بن بشير والسّرىّ بن عبد الرحمن والأحوص بن محمد، وترجم من قريش لعبد الرحمن بن الحكم وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب وجعفر بن الزبير والحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وترجم من حلفائهم للفقيهين المشهورين عروة ابن أذينة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم ابن أرطاة وابن هرمة.

وممن ترجم لهم من الموالى موسى شهوات وأخوه إسماعيل بن يسار النّسائى، وكان له ولدان شاعران هما محمد وإبراهيم. ووراء هؤلاء الشعراء كثيرون ذكرهم أبو الفرج عرضا.


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ١/ ١١، والقصر الذى عناه قصر سعيد بن العاص بالمدينة، الجماء: أرض بها. جيرون: دمشق.
(٢) أغانى ١/ ٢٩.
(٣) انظر ترجمته فى الأغانى ١/ ١٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>