للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أخذنا نقرأ فى شعر هؤلاء الشعراء وجدنا جمهوره يجرى فى الحب والغزل، وهو شئ طبيعى، دفعت إليه حياة الشباب المترف فى المدينة، كما دفع إليه فن الغناء الجديد. وحقّا بقيت بقية من الهجاء عند عبد الرحمن بن الحكم وعبد الرحمن بن حسان، إذ أدارا معركة هجاء عنيفة (١)، ولكن هذه المعركة تنتهى بهما، ولا تبقى بعد ذلك إلا سهام ضئيلة تظهر من حين إلى حين. وبقيت بقية أوسع من المديح، إذ كان بعض الشعراء يمدح بنى أمية طلبا لنوالهم، على نحو ما نجد عند الأحوص (٢) وموسى شهوات (٣)، وأخيه إسماعيل بن يسار (٤). والمديح والهجاء جميعا ليسا هما اللونين اللذين غلبا هناك على الشعر والشعراء. وفى الحق أن من يبحث عن هذين اللونين ينبغى أن يتجه ببصره إلى العراق أو إلى الشام، أما فى المدينة فكانا يسقطان على هامش شعر الغزل الذى كان يتفق وترف البيئة والذى كان يطلبه المغنون والمغنيات ليضعوا فيه أغانيهم الجديدة. ومن ثمّ طبع هذا الغزل بطوابع غنائية قوية، إذ كان فى حقيقته أغانى تصحب بالغناء والعزف على الآلات الموسيقية. ونستطيع أن نلاحظ هذه الطوابع فى جوانب كثيرة من حيث الكمّ ومن حيث الكيف ومن حيث الوزن، فأما من حيث الكم فهو فى مجموعه مقطوعات لا قصائد طويلة، وهو من حيث الكيف لا يقف عند الأطلال إلا نادرا إنما يقف عند حكاية الحب وتحليل خواطر الشاعر إزاءه، أما من حيث الوزن فإن الشعراء مالوا -تحت تأثير الغناء-إلى الأوزان القصيرة والمجزوءة حتى يتيحوا للمغنين والمغنيات أن يحمّلوا شعرهم ما يريدون من ألحان وأنغام جديدة. وكثيرا ما نجد مغنيا يضع لحنا ويطلب إلى شاعر أغنية يوقّعها عليه (٥)، وكان بين الشعراء من يحسّن وضع الألحان على شعره مثل عروة بن أذينة (٦) ولا نصل إلى أواخر العصر حتى نجد من بين المغنين والمغنيات من يحسن نظم الشعر مثل أبى سعيد مولى فائد وسلاّمة القسّ، وقد ترجم لهما صاحب الأغانى.

وإذا تركنا المدينة إلى مكة وجدناها تتطابق معها فى كل ما وصفناه من


(١) أغانى (ساسى) ١٣/ ١٤٤.
(٢) أغانى (دار الكتب) ١/ ٢٩٧ و ٤/ ٢٤٨.
(٣) أغانى ٣/ ٣٦٥.
(٤) أغانى ٤/ ٤٠٨.
(٥) أغانى ٢/ ٢٣٨ وطبعة الساسى ٢١/ ١٠٧.
(٦) أغانى (ساسى) ٢١/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>