للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويزداد وثوقهم وانظر ما وقع من ذلك في القادسيّة وإنّ فارس في اليوم الثّالث اشتدّوا بهم على المسلمين حتّى اشتدّت رجالات من العرب فخالطوهم وبعجوها بالسّيوف على خراطيمها فنفرت ونكصت [١] على أعقابها إلى مرابطها بالمدائن فجفا معسكر فارس لذلك وانهزموا في اليوم الرّابع. وأمّا الرّوم وملوك القوط بالأندلس وأكثر العجم فكانوا يتّخذون لذلك الأسرّة ينصبون للملك سريره في حومة الحرب ويحفّ به من خدمه وحاشيته وجنوده من هو زعيم بالاستماتة دونه وترفع الرّايات في أركان السّرير ويحدق به سياج آخر من الرّماة والرّجّالة فيعظم هيكل السّرير ويصير فئة للمقاتلة وملجأ للكرّ والفرّ وجعل ذلك الفرس أيّام القادسيّة وكان رستم [٢] جالسا على سرير نصبه لجلوسه حتّى اختلفت صفوف فارس وخالطه العرب في سريره ذلك فتحوّل عنه إلى الفرات وقتل. وأمّا أهل الكرّ والفرّ من العرب وأكثر الأمم البدويّة الرّحّالة فيصفّون لذلك إبلهم والظهر الّذي يحمل ظعائنهم فيكون فئة لهم ويسمّونها المجبوذة وليس أمّة من الأمم إلّا وهي تفعل في حروبها وتراه أوثق في الجولة وآمن من الغرّة والهزيمة وهو أمر مشاهد وقد أغفلته الدّول لعهدنا بالجملة واعتاضوا عنه بالظّهر الحامل للأثقال والفساطيط يجعلونها ساقة من خلفهم ولا تغني غناء الفيلة والإبل فصارت العساكر بذلك عرضة للهزائم ومستشعرة للفرار في المواقف. وكان الحرب أوّل الإسلام كلّه زحفا وكان العرب إنّما يعرفون الكرّ والفرّ لكن حملهم على ذلك أوّل الإسلام أمران أحدهما أنّ أعداءهم كانوا يقاتلون زحفا فيضطرّون إلى مقاتلتهم بمثل قتالهم.

والثّاني أنّهم كانوا مستميتين في جهادهم لما رغبوا فيه من الصّبر، ولما رسخ فيهم من الإيمان والزّحف إلى الاستماتة أقرب. وأوّل من أبطل الصّفّ في الحروب وصار إلى التّعبئة كراديس مروان بن الحكم في قتال الضّحّاك الخارجيّ والجبيريّ بعده قال الطّبريّ لمّا ذكر قتال الجبيريّ «فولّى الخوارج عليهم شيبان بن عبد


[١] أحجمت.
[٢] هو قائد الجيوش الفارسية في معركة القادسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>