للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العزيز اليشكريّ ويلقّب أبا الذّلفاء قاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصّفّ من يومئذ» انتهى. فتنوسي قتال الزّحف بإبطال الصّفّ ثمّ تنوسي الصّفّ وراء المقاتلة بما داخل الدّول من التّرف وذلك أنّها حينما كانت بدويّة وسكناهم الخيام كانوا يستكثرون من الإبل وسكنى النّساء والولدان معهم في الأحياء فلمّا حصلوا على ترف الملك وألفوا سكنى القصور والحواضر وتركوا شأن البادية والقفر نسوا لذلك عهد الإبل والظّعائن وصعب عليهم اتّخاذها فخلّفوا النّساء في الأسفار وحملهم الملك والتّرف على اتّخاذ الفساطيط والأخبيّة فاقتصروا على الظّهر الحامل للأثقال [١] والأبنية وكان ذلك صفتهم في الحرب ولا يغني كلّ الغناء لأنّه لا يدعو إلى الاستماتة كما يدعو إليها الأهل والمال فيخفّ الصّبر من أجل ذلك وتصرفهم الهيعات [٢] وتخرّم صفوفهم. ولما ذكرناه من ضرب المصافّ وراء العساكر وتأكّده في قتال الكرّ والفرّ صار ملوك المغرب يتّخذون طائفة من الإفرنج في جندهم واختصّوا بذلك لأنّ قتال أهل وطنهم كلّه بالكرّ والفرّ والسّلطان يتأكّد في حقّه ضرب المصافّ ليكون ردءا للمقاتلة أمامه فلا بدّ من أن يكون أهل ذلك الصّفّ من قوم متعوّدين للثّبات في الزّحف وإلّا أجفلوا على طريقة أهل الكرّ والفرّ فانهزم السّلطان والعساكر بإجفالهم فاحتاج الملوك بالمغرب أن يتّخذوا جندا من هذه الأمّة المتعوّدة الثّبات في الزّحف وهم الإفرنج ويرتّبون مصافّهم المحدق بهم منها هذا على ما فيه من الاستعانة بأهل الكفر. وإنّهم استخفّوا ذلك للضّرورة الّتي أريناكها من تخوّف الإجفال على مصافّ السّلطان والإفرنج لا يعرفون غير الثّبات في ذلك لأنّ عادتهم في القتال الزّحف فكانوا أقوم بذلك من غيرهم مع أنّ الملوك في المغرب إنّما يفعلون ذلك عند الحرب مع أمم العرب والبربر وقتالهم على الطّاعة وأمّا في الجهاد فلا يستعينون بهم حذرا من ممالأتهم على المسلمين هذا هو


[١] قوله للاثقال والأبنية مراده بالأبنية الخيام كما يدل عليه قوله في فصل الخندق الآتي قريبا إذا نزلوا وضربوا أبنيتهم ١ هـ-.
[٢] الأصوات المخيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>