للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووفد عليه كما ذكرناه، خالفه بدوي إلى فاس فملكها وقتل من مغراوة خلقا واستمكن بها أمره. فلمّا رجع زيري من وفادته امتنع بها بدوي فنازله زيري وطال الحصار وهلك من الفريقين خلق. ثم اقتحمها عليه عنوة وبعث برأسه إلى سدّة الخلافة بقرطبة. إلا أن راوي هذا الخبر يجعل وفادة زيري على المنصور وقتله لبدوي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة [١] فاللَّه أعلم أيّ ذلك كان.

(ثم إنّ زيري) فسد ما بينه وبين أبي البهار الصنهاجي وتزاحفا فأوقع به زيري وانهزم أبو البهار إلى سبتة موريا بالعبور إلى المنصور فبادر بكاتبه عيسى بن سعيد بن القطاع في قطعة من الجند إلى تلقّيه فحاد عن لقائه. وصاعد إلى قلعة جراوة، وقد قدم الرسل إلى ابن أخيه المنصور صاحب القيروان مستميلا إلى أن التحم ذات بينهما. ثم تحيّز إليه وعاد إلى مكانه من عمله، وخلع ما تمسّك به من طاعة الأموية وراجع طاعة الشيعة فجمع المنصور لزيري بن عطيّة أعمال المغرب. واستكفى به في سدّ الثغر وعوّل عليه من بين ملوك المغرب في الذبّ عن الدعوة، وعهد إليه بمناجزة أبي البهار وزحف إليه زيري في أمم عديدة من قبائل زناتة وحشود البربر وفرّ أمامه، ولحق بالقيروان. واستولى زيري على تلمسان وسائر أعمال أبي البهار. وملك ما بين السوس الأقصى والزاب فاتسع ملكه وانبسط سلطانه واشتدّت شوكته، وكتب بالفتح إلى المنصور بمائتين من الخيل وخمسين جملا من المهاري السبق، وألف درقة من جلود اللمط وأحمال من قسي الزان وقطوط الغالية والزرافة وأصناف الوحوش الصحراوية كاللمط وغيره، وألف حمل من التمر وأحمال من ثياب الصوف الرفيعة كثيرة، فجدّد له عهده على المغرب سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وأنزل أحياءه بأنحاء فاس في قياطينهم.

واستفحل أمر زيري بالمغرب ودفع بني يفرن عن فاس إلى نواحي سلا، واختط مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وأنزلها عساكره وحشمه، واستعمل عليها ذويه، ونقل إليها ذخيرته، وأعدّها معتصما، وكانت ثغرا للعمالتين المغرب الأقصى والأوسط.

(ثم فسد) ما بينه وبين المنصور بما نمي عنه من التألف لهشام باستبداد المنصور عليه


[١] كذا في قبائل المغرب سنة ٣٨٣ هـ./ ص ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>