للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسامه المنصور الهضيمة. وأبى منها، وبعث كاتبه ابن القطاع في العساكر، فاستعصى عليه وأمكنه صاحب قلعة حجر النسر منها، فأشخصه إلى الحضرة.

وأحسن إليه المنصور وسمّاه الناصح، وكشف زيري وجهه في عداوة ابن أبي عامر والإغراء به والتشيّع لهشام المؤيّد والامتعاض له من هضيمته وحجره، فسخطه عند ابن أبي عامر وقطع عنه رزق الوزارة، ومحى اسمه من ديوانه ونادى بالبراءة منه.

وعقد لواضح مولاه على المغرب وعلى حرب زيري بن عطية، وانتقى له الحماة من سائر الطبقات، وأزاح عللهم وأمكنه من الأموال للنفقات وأحمال السلاح والكسى، وأصحبه طائفة من ملوك العدوة كانوا بالحضرة، منهم: محمد بن الخير ابن محمد بن الخير وزيري بن خزر وابن عمهما بكساس بن سيّد الناس. ومن بني يفرن أبو بخت [١] بن عبد الله بن بكار. ومن مكناسة إسماعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مدين، ومن أزداجة خزرون بن محمد وأمدّه بوجوه الجند. وفصل من الحضرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وسار في التعبية وأجاز البحر إلى طنجة فعسكر بوادي ردات [٢] وزحف زيري بن عطيّة في قومه، فعسكر إزاءه وتواقفا ثلاثة أشهر، واتهم واضح رجالات بني مرزال بالادهان فأشخصهم إلى الحضرة وأغرى بهم المنصور فوبّخهم وتنصّلوا فصفح عنهم، وبعثهم في غير ذلك الوجه. ثم تناول واضح حصن أصيلا ونكّور فضبطهما واتصلت الوقائع بينه وبين زيري، وبيّت واضح معسكر زيري بنواحي أصيلا وهم غارّون [٣] فأوقع بهم وخرج ابن أبي عامر من الحضرة لاستشراف أحوال واضح وإمداده، فسار في التعبية واحتلّ بالجزيرة عند فرضة المجاز، ثم بعث عن ابنه المظفّر من مكان استخلافه بالزاهرة، وأجاز إلى العدوة واستكمل معه أكابر أهل الخدمة وجلّة القواد. وقفل المنصور الى قرطبة واستراع [٤] خبر عبد الملك بالمغرب ورجع إليه عامّة أصحاب زيري من ملوك البربر وتناولهم من إحسانه وبرّه ما لم يعهدوا مثله.

وزحف عبد الملك الى طنجة واجتمع مع واضح، وتلوم هناك مزيحا لعلل العسكر، فلما


[١] وفي نسخة أخرى: ابو نوبخت.
[٢] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة اخرى: وادي ركاب.
[٣] بمعنى (مغيرون) .
[٤] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة اخرى: استذاع بمعنى ذاع وهذه من التعابير التي يستعملها ابن خلدون.

<<  <  ج: ص:  >  >>