للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جال ابن عمّار في الأندلس، ومدح الملوك والرؤساء، حتّى السُّوقَة، حتّى أنّه مدح رجلا مرة، فأعطاه مخلاة شعيرا لحماره، وكان ذلك الرجل فقيرًا.

ثمّ آل بابن عمّار الأمر إلى أن نفق على المعتمد، ووّلاه مدينة شِلْب [١] ، فملأ لصاحب الشعير مِخلاة دراهم، وقال للرسول: قل له: لو ملأتها بُرًا لملأناها تِبْرًا [٢] .

ولمّا استولى على مُرْسِية خلع المعتمد، ثمّ عمل عليه أهل مُرْسية فهربَ ولجأ إلى بني هُود بسرَقُسْطَة، فلم يقبلوه، ثمّ وقع إلى حصن شقُّوَرة فأحسن متولّيه نُزُلَه، ثمّ بعد أيّام قيده، ثمّ أُحضر إلى قُرْطُبة مقيدًا على بغلٍ بين عِدْلي تِبْنٍ لِيَراه النّاس [٣] .

وقد كان قبل هذا إذا دخل قُرْطُبة اهتزت له، فسجنه المعتمد مدَّةً، فقال في السّجن قصائد لو توسل بها إلى الزّمان لنَزَع عن جَوْره، أو إلى الفُلْك لكَفّ عن دَوْره، فكانت رقيً لم تنْجَع، وتمائم لم تنفع، منها:

سجاياكَ- إن عافَيتَ- أنْدى وأسْجحُ [٤] ... وعُذرك- إنّ عاقبتَ- أجْلَى وأوْضحُ

وإنْ كان بين الخُطَّتَيْن مَزِيَّةٌ ... فأنتَ إلى الأدْنى من الله تجنح [٥]

حنانيك في أخْذي برأيك، لا تُطِعْ ... عِدايَ [٦] ، ولو أثْنَوا عليك [٧] وأفصحوا

أقلني بما بني وبينك مِن رضى ... له نحو روح الله باب مفتح

ولا تلفت قولَ الوشاة ورأيهم [٨] ... فكُل إناءٍ بالّذي فيه يرشح

[٩]


[ () ] وورد البيت الأول فقط في: الحلة السيراء ٢/ ١٤٨، ووفيات الأعيان ٤/ ٤٢٧، والوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٢ مع أبيات أخرى.
[١] شلب: بكسر الشين المعجمة، وسكون اللام وبعدها باء موحدة. مدينة بالأندلس على ساحل البحر. (وفيات الأعيان ٤/ ٤٢٨) .
[٢] سير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٨٣.
[٣] الحلة السيراء ٢/ ١٥١.
[٤] في الحلة: «وأسمح» .
[٥] في الحلة: «أجنح» .
[٦] في الحلة: «وشاتي» .
[٧] في الحلة: «عليّ» .
[٨] في الحلة: «ولا تستمع زور الوشاة وإفكهم» .
[٩] الأبيات من قصيدة طويلة في: الذخير، والحلة السيراء ٢/ ١٥٣، والمعجب لعبد الواحد