للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ قال: وقد طوَّلت ترجمته لِما لَهُ علينا من الحقوق التي لا نقدر على القيام بشكره، ولم أذكر عنه شيئا على سبيل المُبالغة، بل كلُّ ذلك مشاهدة وعِيان. وُلِدَ بقلعة إربل في المحرَّم سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وقال ابن السَّاعي: طالت على مظفّر الدِّين مراعاة أولاد العادل ولم يجد منهم إعانةَ على نوائبه كما كَانَ هُوَ لهم في حروبهم. فأخذَ مفاتيحَ إربل وقِلاعها وسارَ إلى بغداد وسلَّم ذلك إلى المستنصر باللَّه في أول سَنَة ثمانٍ وعشرين فاحتفلوا لَهُ، وجلسَ لَهُ الخليفةُ، ورُفِعَ لَهُ السَّتر عن الشُّبّاك [١] فقبَّل الكلَّ الأرضَ ثمّ طلعَ إلى كرسيَّ نُصب لَهُ وسلَّم وقرأ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ٥: ٣ [٢] ... الآية. فردَّ عليه المُستنصر السّلامَ، فقبّل الارضَ مِرارًا. فقال المستنصر: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ ١٢: ٥٤ [٣] . وقال ما معناه: ثبت عندنا إخلاصك في العبوديّة. ثمّ أسبلت السّتارة، ثمّ خلعوا على مظفّر الدّين وقُلِّدَ سيفين، ورُفِعَ وراءه سَنجقان مذهّبة. ثمّ اجتمع بالخليفة يوما آخر، وخُلع أيضا عليه، ثمّ أُعطي راياتٍ وكوساتٍ، وستّين ألف دينار، وخَلعوا على خواصّه.

قلتُ: وأمّا أبو المظفّر الجوزيّ فقال في «مرآة الزمان» [٤]- والعُهدة عليه، فإنَّه خسَّاف مُجازف لا يتوَّع في مقاله-: كَانَ مظفّر الدِّين ابن صاحب إربل ينفق في كلّ سنة على المولد ثلاثمائة ألف دينار [٥] ، وعلى الخانقاه مائتي ألف، وعلى دار المضيف مائة ألف، وعلى الأسارى مائتي ألف دينار، وفي الحرمين والسبيل ثلاثين ألف دينار.

وقال: قال من حَضَر المولد مرَّةً: عددتُ على السّماط مائة فرس قشلمش، وخمسة آلاف رأسٍ شوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زُبديَّة، وثلاثين ألف صحن حلواء.


[١] يعني: شباك المقصورة التي بقصر التاج حيث يجلس الخليفة في المناسبات الرسمية.
[٢] سورة المائدة، الآية ٣.
[٣] سورة يوسف، الآية ٥٤.
[٤] المرآة ٨/ ٦٨٣.
[٥] كتب المؤلف في الهامش: «لعله درهم» . قلنا: ولا يستبعد ذلك لما وصفه ابن خلكان وغيره.