للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُلَّ سَنَةٍ، وَيَحُجُّ مَعَهُ رِجَالٌ [١] مِنْ إِخْوَانِهِ تَعَوَّدُوا ذَلِكَ، فَأَبْطَأَ عَامًا حَتَّى فَاتَتْ أَيَّامُ الْحَجِّ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: اخْرُجُوا، فَقَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: لا بدّ أَنْ تَخْرُجُوا، فَفَعَلُوا اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَأَصَابَهُمْ حِينَ جَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ إِعْصَارٌ شَدِيدٌ حَتَّى كَادَ لا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَأَصْبَحُوا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى جِبَالِ تِهَامَةَ، فَحَمِدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: مَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى [٢] !.

وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فِي الْكَلامِ فِي الْقَدَرِ: هُمَا وَادِيَانِ عَمِيقَانِ، يَسْلُكُ فِيهِمَا النَّاسُ، لَنْ يُدْرِكَ غَوْرَهُمَا، فَاعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُنْجِيكَ إِلا عَمَلُكَ، وَتَوَكَّلْ تَوَكُّلَ رَجُلٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَكَ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ [٣] .

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: لَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ يَعْنِي نَوْبَةَ ابْنِ الأَشْعَثِ، خَفَّ مُسْلِمٌ فِيهَا، وَأَبْطَأَ الْحَسَنُ، وَارْتَفَعَ الْحَسَنُ وَاتَّضَعَ مُسْلِمٌ [٤] .

وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِّيُّ [٥] : قِيلَ لابْنِ الأَشْعَثِ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُقْتَلُوا حَوْلَكَ كَمَا قُتِلُوا حَوْلَ جَمَلِ عَائِشَةَ، فَأَخْرِجْ مَعَكَ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ، فَأَخْرَجَهُ مُكْرَهًا [٦] .

وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ: قَالَ لِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: إِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ أَنِّي لَمْ أَضْرِبْ فِيهَا بِسَيْفٍ [٧] . قُلْتُ: فَكَيْفَ بمن رآك بين الصّفّين؟ فقال:


[١] في سير أعلام النبلاء ٤/ ٥١٢: «ويحجّج معه رجالا» .
[٢] سير أعلام النبلاء ٤/ ٥١٢.
[٣] السير ٤/ ٥١٢.
[٤] أضاف الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤/ ٥١٣: «قلت: إنّما يعتبر ذلك في الآخرة، فقد يرتفعان معا» .
[٥] في الأصل «السجستاني» والتصويب من اللباب لابن الأثير ٢/ ١٠٨ وقيّده بفتح السين المهملة، وهو نسبة إلى عمل السختيان وبيعه.
[٦] المعرفة والتاريخ ٢/ ٨٦ وفي سير أعلام النبلاء ٤/ ٥١٣ «كما قتلوا يوم الجمل حول جمل عائشة» .
[٧] في المعرفة والتاريخ ٢/ ٨٦- ٨٧ «أني لم أطعن فيها برمح، ولم أضرب فيها بسيف، ولم أرم فيهم بسهم» .