للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قلنا بانصراف الخصومة عن الحاضر، وقف الأمر إلى حضور الغائب إن لم يكن للمدعي بينة؛ لما تقدم أن الدعوى على الغائب لا تفيد عند عدم البينة، لكن هل للمدعي طلب يمين صاحب اليد؛ لأجل الرجوع عليه بالغرم إذا أقر، أو نكل وحلف هو؟ فيه القولان السابقان بفروعهما.

فإن قلنا بالصحيح- وهو [جواز] طلب التحليف- فلو أراد صاحب اليد أن يقيم بينة بأن الملك الغائب؛ ليسقط عنه اليمين، فهل تسمع؟

قال المراوزة: فيه ثلاثة أوجه:

[أحدها:] وهو قول الشيخ أبي محمد-: لا تسمع إلا أن يثبت وكالة نفسه؛ لأنه ليس بمالك، ولا نائب عن المالك؛ فإقامة البينة فضول منه؛ وهذا ما صححه في "الوجيز".

وعلى هذا يكون الحكم كما لو لم يقم بينة.

والثاني: أن البينة تسمع لا لإثبات الملك للغائب، ولكن ليدفع الخصومة والتحليف عن نفسه؛ فإنه لا طريق لمن في يده ملك غيره إلى صرف الخصومة عن نفسه إلا هذا؛ فإنه ليس من الممكن أن يقيم بينة على أن العين ليست له؛ وهذا ما اختاره المحققون؛ كما قاله الإمام، وأورده العراقيون: كالبندنيجي، وابن الصباغ، وغيرهما.

وعلى هذا يندفع عنه التحليف جزماً وهو من فوائد السماع التي سنذكرها.

فإن قلت: قد ذكرتم ما إذا ادعى على شخص عيناً في يده، وطلب يمينه، فأراد أن يقيم بينة على أنها ملكه؛ ليدفع عن نفسه اليمين- أن المذهب عدم السماع؛ لأنه قادر على فصل الخصومة باليمين؛ فلا يعدل إلى فصلها بالبينة المتوقفة على النظر في عقبات، وهذا موجود هنا.

قلت: قد يعذر الإنسان في الامتناع عن الحلف على إثبات الملك لغيره؛ لعدم علمه بأسباب الملك، ولا كذلك في حق نفسه؛ لقدرته على الاطلاع على السبب المملك؛ فلذلك سمعت البينة هنا، ولم تسمع ثم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>