للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمْر فإن مثل هذا التَّركيبِ أَعنِي: إذا أَتَت همزة الاستِفْهام وبعدها حَرْف عَطْف - قد سبَقَ لنا مِرارًا - أن لعُلماء النَّحْو في ذلك قَوْلين في الإعراب:

القول الأوَّلُ: منهم مَن يَرَى أن الهَمْزة داخِلة على جُملة مُقدَّر تُناسِب المَقام، وحَرْف العَطْف على تِلكَ الجُمْلةِ المَحذوفة.

القولُ الآخَرُ: ومِنهم مَن يَرَى أن الهَمْزة داخِلة على الجُمْلة التي بعد حَرْف العَطْف، فيَكون حرف العَطْف على ما سبَقَ، وقُدِّمَت الهَمْزة للصدارة.

والقول الثاني أيسَرُ؛ لأن القول الأوَّلُ صعوبتُه أنه قد يَتعَذَّر على الإنسان مَعرِفة المُناسِب للسِّياق، أو ربَّما يُقدِّر ما يَظُنُّه مُناسِبًا، وليس بمُناسِب.

وقوله تعالى: {تُنْقِذُ} فسَّرَها المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بمَعنَى: [تُخرِج]، لكنه تَفسير قاصِر؛ لأن كلِمة (تُخرِج) لا تَدُلُّ على أنه مُنقِذٌ من هلَكة، بل تَدُلُّ على معنًى أَخصَّ، ولا يَنبَغي أن نُفسِّر الأخصَّ بالأَعَمِّ؛ لأنك إذا فسَّرْت الأخصَّ بالأعَمِّ نقَصْتَ التَّفسير، فالإخراج يَكون إنقاذًا ويَكون غير إنقاذ، لكن الإنقاذ يَكون عن هلَكة، ولهذا لو فسَّر {تُنْقِذُ} بـ (تُنجِي) لكان أَوْضَحَ؛ لأن الإِنْجاء أيضًا يَكون من هلَكة، وَيكون قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ} أي: تُنجِي مَن في النار، أي: مِن عَذابها.

قوله تعالى: {مَنْ فِي النَّار}: {مَنْ} بمَعنَى (الذي)، ومَوْقعها الإعرابي مَفعولٌ به للفِعْل {تُنْقِذُ}، وجُملة {فِي النَّار} جارٌّ ومجَرور مُتعَلِّق بالفِعْل {تُنْقِذُ}، والتَّقدير: مَن دخَل في النار، أو يُقدَّر بما يُناسِب السِّياق، فان قُدِّر بكَلِمة (داخِل) مثَلًا قُلْنا: لا يَصلُح في صِلة المَوْصول؛ لأنك إذا قَدَّرْت (داخِل) تَحتاج إلى تَقدير مُبتَدَأ لتَكون جُملة، لكن إذا قدَّرْت فِعْلًا ما احتَجْنا إلى تقدير شيءٍ آخَرَ، فنَقول: إنه في جميع صِلات

<<  <   >  >>