للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ذلك قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١]، وعند بني تَميمٍ لا تَعمَل عمَل (ليس)، بل هي مُهمَلة، فيَقولون في قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} يَعنِي: في غير القرآن: (ما هذا بشَرٌ)، فمِن لغة تَميم: (ما زيدٌ قائِمٌ)، ومِن الحِجازية (ما زيدٌ قائمًا)، فتَحصَّل لنا الآنَ أن لُغة قُريشٍ وهم أهل الحِجاز يَقولون: (ما هذا بشَرًا)، وبنو تَميم يَقولون: (ما هذا بشَرٌ)، وكانوا يَقرَؤُون القُرآن: (ما هذا بشَرٌ) قبل أن يُوحَّد على لغة قُريش؛ لأن القرآن أُنزِل على سبعة أَحرُف.

وفي ذلك بيت طريف قال فيه الشاعِر:

وَمُهَفْهَفِ الْأَعْطَافِ قُلْتُ لَهُ انْتَسِبْ ... فَأَجَابَ مَا قَتْلُ المُحِبِّ حَرَامُ (١)

يَعنِي: قلت له: من أين أنتَ؟ فما قال: أنا من فُلان من آل فُلان؟ فأَجاب: (ما قَتْل المُحِبِّ حَرامُ) فتَكون هذه المرأةُ تَميميةً؛ لأنها قالت: (ما قَتْلُ المُحِبِّ حَرَامُ)، أمَّا في وقتنا الآنَ فلا نَعرِف التَّميميَّ من القُرَشيِّ؛ لأنه قدِ اندَمَج الآنَ، فكلُّ تَميميًّ وكلُّ قُرَشيٍّ تَجِده يَقول: (ما هذا بَشَرٌ)، وهذا يَقول: (ما هذا بَشَرًا) فكلُّهم قدِ اختَلَطوا.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} إِذَنْ: نُعرِب الآنَ (ما) على لُغة قُرَيْش مع أن اللَّفْظ لا يَختَلِف في هذا التَّرْكيبِ؛ لأن بني تميم يَقولون: ما أنت عليهم بوَكيل. وكذلك قُرَيْش.

لكن لعِلْمنا أن القُرآن على لُغَة قُريش نَقول: إن (ما) هنا حِجازية، و (أن) اسمُها، والتاء للخِطاب، والباء حَرْف جرٍّ زائِدٌ، و (وكيل) خبَرُها مَنصوب بفَتْحة


(١) غير منسوب، وانظر: نفح الطيب للمَقَّرِي التِّلمساني (٥/ ٢٢٧).

<<  <   >  >>