للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ... وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى

وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ... ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى

لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ... إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الحَصَى (١)

ولكن ما ذكَرْناه أوَّلًا هو الجامِع المانِع؛ أن يَتَّخِذ الإنسان وِقايةً من عَذاب الله تعالى بفِعْل أَوامِره واجتِناب نواهيه، فإن خالَف وترَكَ شيئًا من الأوامِر أو فعَل شيئًا من النواهِي؛ فإنه يَنقُص من تَقْواه بقَدْر ما أخلَّ به، وحينَئِذ يَجتَمِع في الإنسان تَقوى وعِصيان، وهذا مَذهَب أهل السُّنَّة والجماعة: أن الإنسان يَجتَمِع فيه خِصال إيمان وكُفْر، خِصال تَقوَى وفِسْق، ولا مانِعَ، ولكلًّ حُكْمه.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} أَضاف الرُّبوبية إليهم؛ لأن رُبوبية الله تعالى للمُتَّقين رُبوبية خاصَّة ليست كالرُّبوبية العامة لجميع العالَمين، بل هي رُبوبية خاصَّة ربَّاهم حتى اتَّقَوْا ربَّهم.

وقول المُفَسَّر رَحِمَهُ اللهُ: [بلُطْف] مُقابِل قوله في أهل النار: [بعُنْف]؛ لأن الله تعالى صرَّح بأن أهل النار يُدفَعون دَفْعًا إلى نار جهنَّمَ، أمَّا المُؤمِنون فإنهم يُساقون سَوْق إكرام، كأن المَلائِكة تَحتَفُّ بهم إكرامًا لهم وإجلالًا.

وقوله تعالى: {إِلَى الْجَنَّةِ} الجَنَّة في اللغة: البُستان الكثير الأشجار، وسُمِّيَ بذلك لأنه يَجِنُّ مَن فيه، أي: يَستُرُه، وأصل المادة الجيم والنون، أصلُها من السَّتْر؛ ولهذا سُمّيَ القلبُ: جَنَانًا؛ لأنه مُستَتِر، وسُمّيَ الجِنُّ: جِنًّا؛ لأنهم مُستَتِرون، وسُمِّيتِ الجَنَّةُ: جَنَّةً؛ لأنها تَستُر مَن فيها؛ لكثرة أشجارها، هذا في الأصل.


(١) الأبيات لابن المعتز، انظر: ديوانه (ص ٢٩).

<<  <   >  >>