للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم انْقَلَبَ حتى يكون رأسُه هو الأسفل، ويخرج الرأس أولًا من أجل أن يكون خُرُوجه سهْلًا، إذ لو خرج من عند قَدَمَيْه لكان في ذلك ضَرَرٌ وخَطَرٌ، وأيضًا قد تُعَلَّق مثلًا إحدى اليدين في أَحَدِ الجوانِبِ فيحصل في هذا ضَرَر، وربما يَحْصُل تلف على الجنين، ولله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في خَلْقِه شؤون.

المهم: أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اعتَنَى بنا عنايَةً تامَّةً، ونحن في بطون أمَّهاتنا وعند خروجِنا منها؛ ولهذا قال: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} ونِعْمَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ!

{ذَلِكُمُ} المشار إليه: رَبُّ، والمخاطب: {ذَلِكُمُ} البَشَر؛ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} وإنما أتى باسم الإشارة المفيد للبُعْد {ذَلِكُمُ} ولم يقل: (هذا) إشارةً إلى عُلُوِّ مَرْتَبَة الله، إلى عُلُوِّ منزلته عَزَّ وَجَلَّ وأنَّ له العُلُوَّ؛ عُلُوَّ الذَّاتِ وعُلُوَّ القَدْرِ، وعُلُوَّ القَهْرِ.

وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} رَبُّ إما أن تكون صِفَةً أو بدلًا، وفيه إشارة؛ يعني ذكر الرُّبوبِيَّة بعد الأُلوهِيَّة إلى التَّرْبِيَة الخاصَّةِ في حال الحَمْل والعناية التامَّة؛ لأنَّ الحمل في بطن أمه لا يمكن لأحَدٍ أن يَصِلَ إليه لا بِجَلْب مَنْفَعَة ولا بدفع مَضرَّة، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يتولَّى العناية به.

وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} الجملة هذه جملة خَبَرِيَّة قُدِّم فيها الخبر على المبتدأ لإفادَةِ الحَصْر، {لَهُ} أي: وَحْدَه لا يشارِكُه أحد.

{الْمُلْكُ} يعني المُلْك المُطْلَق، مُلْك الأعيان ومُلْك الأوصاف؛ فهو مالِكُ الأعيان كلها، ومالِكُ أَوْصافِها وتَصْريفها وتَدْبيرِها.

{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} هذا توحيدُ الأُلوهِيَّة {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} والجملة هذه مكونة من نفي وإثباتٍ، نَفْيٌ من أبلغ أنواع النَّفْيِ؛ لأنَّه مُصدَّرٌ بـ (لا) النافية للجنس،

<<  <   >  >>