للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِحَالٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فِيهِ الْمُؤْنَةُ كُلِّفَهُ.

قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ دَابَّةِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلَهَا أَوْ جَرَحَهَا جُرْحًا مَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، قُوِّمَتْ الدَّابَّةُ مَجْرُوحَةً أَوْ مَقْطُوعَةً، ثُمَّ ضَمِنَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَالَ أَحَدٍ بِجِنَايَةٍ أَبَدًا. قَالَ: وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ رَجُلًا غَصَبَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَشَاهِدًا أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ شَاهِدًا أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِغَصْبِهِ إيَّاهَا أَوْ شَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بِغَصْبِهَا وَآخَرَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِغَصْبِهَا فَكُلُّ هَذَا مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ غَصْبَ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ غَصْبِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِعْلُ الْغَصْبِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ وَالْإِقْرَارُ يَوْمَ الْخَمِيسِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيُقَالُ لَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ احْلِفْ مَعَ أَيِّ شَاهِدَيْك شِئْت وَاسْتَحِقَّ الْجَارِيَةَ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّهَا.

قَالَ: وَلَوْ أَنَّ أَرْضًا كَانَتْ بِيَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا أَرْضُهُ فَأَقَامَ شَاهِدًا فَشَهِدَ لَهُ أَنَّهَا أَرْضُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكٍ أَوْ وَرِثَهَا مِنْ مَالِكٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ مَالِكٌ أَوْ كَانَتْ مَوَاتًا فَأَحْيَاهَا فَوَصَفَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ الَّذِي يَصِحُّ، وَأَقَامَ شَاهِدًا غَيْرَهُ أَنَّهَا حِيزَةٌ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهَا حِيزَةٌ شَهَادَةً، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا عَدَدٌ عُدُولٌ إذَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَيْزَهُ يَحْتَمِلُ مَا يَجُوزُ بِالْمِلْكِ وَمَا يَجُوزُ بِالْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ وَيَحْتَمِلُ مَا يَلِي أَرْضَهُ وَمَا يَلِي مَسْكَنَهُ وَيَحْتَمِلُ بِعَطِيَّةِ أَهْلِهَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي أَوْلَى بِالظَّاهِرِ مِنْ الْآخَرِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً أَبَدًا حَتَّى يَزِيدُوا فِيهَا مَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِالْمِلْكِ وَيَسْتَحِقَّ. قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْمِلْكِ وَشَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ الثَّانِي بِأَنَّهُ كَانَ يَحُوزُهَا وُقِفَ فَإِنْ قَالَ بِحَوْزِهَا بِمِلْكٍ فَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنْ قَالَ يَحُوزُهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ وَيَسْتَحِقُّ.

قَالَ: وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّ الْجَارِيَةِ وَالْجَارِيَةُ قَائِمَةٌ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَشَيْئًا إنْ كَانَ نَقَصَهَا وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا.

قَالَ: وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَابَّةً أَوْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا، فَتَعَدَّى فَضَاعَتْ فِي تَعَدِّيهِ فَضَمَّنَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمُكْرَى قِيمَةَ دَابَّتِهِ ثُمَّ ظَفِرَ بِالدَّابَّةِ بَعْدُ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَخَذَ الْبَدَلَ مِنْهَا وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا ظَهَرَ عَلَى الدَّابَّةِ رَدَدْت عَلَيْهِ الدَّابَّةَ وَرَدَّ مَا قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا إنْ كَانَتْ دَابَّتُهُ بِحَالِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا أَوْ تَعَدَّى بِهَا أَوْ خَيْرِهَا حَالًا فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً قَبَضَهَا وَمَا نَقَصَتْ وَرَدَّ الْفَضْلَ عَنْ نُقْصَانِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبُيُوعَ إنَّمَا الْبُيُوعُ بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَسَلَّمَ لَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ سِلْعَتَهُ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْهِ إلَيْهِ رَاضِيًا بِإِخْرَاجِهَا، وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَاصٍ فِي أَخْذِهَا وَالْمُتَعَدِّي عَاصٍ فِي التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ، وَرَبُّ الدَّابَّةِ غَيْرُ بَائِعٍ لَهُ دَابَّتَهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّابَّةَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ قِيمَتِهَا فَلَمَّا كَانَ إنَّمَا أَخَذَ الْقِيمَةَ عَلَى أَنَّ دَابَّتَهُ فَائِتَةٌ ثُمَّ وَجَدَ الدَّابَّةَ كَانَ الْفَوْتُ قَدْ بَطَلَ وَكَانَتْ الدَّابَّةُ مَوْجُودَةً، وَلَوْ كَانَ هَذَا بَيْعًا مَا جَازَ أَنْ تُبَاعَ دَابَّتُهُ غَائِبَةً، وَلَوْ جَازَ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ كَانَ لِلْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ وُجِدَتْ مَعِيبَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: فَهِيَ لَا تُشْبِهُ الْبُيُوعَ، وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْجِنَايَاتِ. قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَنَى عَلَى عَيْنِ رَجُلٍ فَابْيَضَّتْ فَحُكِمَ لَهُ بِأَرْشِهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَقَائِلُ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِالْأَرْشِ وَيَرُدُّهُ، وَلَوْ حُكِمَ لَهُ فِي سِنٍّ قُلِعَتْ مِنْ صَبِيٍّ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ نَبَتَتْ رَجَعَ بِالْأَرْشِ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ شَبَّهَهَا بِالْجِنَايَاتِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْقَوْلِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهَا لَا تُشْبِهُ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مَا فَاتَ فَلَمْ يَعُدْ فَهَذِهِ قَدْ عَادَتْ فَصَارَتْ غَيْرَ فَائِتَةٍ.

وَلَوْ كَانَ هَذَا بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَاغْتَصَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ دَابَّةً أَوْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَتَعَدَّى عَلَيْهَا فَضَاعَتْ ثُمَّ اصْطَلَحَا مِنْ ثَمَنِهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>