للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَيْءٍ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حُكْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى مَا لَزِمَ الْغَاصِبَ مِمَّا اسْتَهْلَكَ فَلَمَّا كَانَ مَالُهُ غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ مَا عَلِمَا أَوْ عَلِمَ رَبُّ الدَّابَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَالَ لَهُ أَنَا اشْتَرِيهَا مِنْك وَهِيَ فِي يَدَيْ قَدْ عَرَفْتهَا فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِشَيْءٍ قَدْ عَرَفَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ جَاءَ الْغَاصِبُ بِالدَّابَّةِ مَعِيبَةً عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَآهُ، وَأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ لَهُ بِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمَغْصُوبِ الْبَائِعِ، أَوْ يَكُونُ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ رَدُّ الدَّابَّةِ، وَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مَا نَقَصَهَا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ قَالَ الْمُتَعَدِّي بِالْغَصْبِ أَوْ فِي الْكِرَاءِ: إنَّ الدَّابَّةَ ضَاعَتْ فَأَنَا أَدْفَعُ إلَيْك قِيمَتَهَا فَقِيلَ ذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ.

فَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ هَذَا بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ فَلَا تُجِيزُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْتَى أَوْ يُقَالُ هَذَا بَدَلٌ إنْ كَانَتْ ضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا عَلِمَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ تَضِعْ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَخْذُهَا وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مَا كَانَ يَلْزَمُ لَهُ لَوْ كَانَتْ ضَائِعَةً فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ ضَائِعَةً كَانَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ قَوْلًا ثَالِثًا فَيَقُولُ: لَمَّا رَضِيَ بِقَوْلِهِ وَتَرَكَ اسْتِحْلَافَهُ كَمَا كَانَ الْحَاكِمُ مُسْتَحْلِفَهُ لَوْ ضَاعَتْ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى حَالٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنْ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَإِنَّمَا كَذَبَ لِيَأْخُذَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي انْعَقَدَ إنْ كَانَ جَائِزًا بِكُلِّ حَالٍ جَازَ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا مَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً مُنْتَقَضًا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَالَيْنِ فَمَا بَالُهَا تُرَدُّ فِي إحْدَاهُمَا، وَلَا تُرَدُّ فِي الْأُخْرَى؟. وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَهُوَ مَرْدُودٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا جَائِزَ، وَلَا فَاسِدَ، وَلَا جَائِزَ عَلَى مَعْنًى فَاسِدٍ فِي آخَرَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ وَقَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ أَمَتُهُ غَصَبَهَا مِنْهُ قُلْنَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْغَصْبِ إنْ أَقَمْتَ بَيِّنَةً عَلَى الْغَصْبِ دَفَعْنَا إلَيْك أَيَّهمَا أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَنَقَضْنَا الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً فَإِقْرَارُ الْبَائِعِ لَك إثْبَاتُ حَقٍّ لَك عَلَى نَفْسِهِ، وَإِبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِك قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ لَك، وَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ وَيُصَدَّقُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ لَك قِيمَةَ أَيِّهِمَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ أَوْ يَكُونَ لَهُ خِيَارٌ فَيَرُدَّهُ بِخِيَارِهِ فِي الْعَيْبِ وَخِيَارِهِ فِي الشَّرْطِ فَإِذَا رَدَّهُ كَانَ عَلَى الْمُقِرِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْك، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ غَاصِبٌ رَدَّهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ شَاءَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَلَّكَ الْمُغْتَصِبُ الْبَائِعَ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ أَوْ وَجْهِ مِلْكٍ مَا كَانَ ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا ادَّعَيْت مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك مَا أَمْلِكُ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَشْهَدُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِلْبَائِعِ لَا عَلَيْهِ فَتَشْهَدُ لَهُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ مَشْهُودًا لَهُ لَا عَلَيْهِ.

وَقَدْ أُكَذِّبُهُمْ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِي الْحُكْمِ لِإِكْذَابِهِ بَيِّنَتَهُ، وَيَنْبَغِي فِي الْوَرَعِ أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا أَوْ يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ فَكَانَ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنْ أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِغَصْبٍ وَكَانَ الْمَغْصُوبُ أَوْ وَرَثَتُهُ قِيَامًا رُدَّ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا وَيُرَدُّ إلَى الْمَغْصُوبِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَصَدَّقَ الْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ غَصَبَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعِتْقِ وَمَضَى الْعِتْقُ وَرَدَدْنَا الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فِي أَكْثَرِ مَا كَانَ قِيمَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>