للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعوا على أنَّ سترَ العور فرضٌ واجبٌ بالجملةِ على الآدميِّين. واختلفوا: هل هي من فروضِ الصلاةِ أم لا؟ فقال أكثرُ أهلِ العلم، وجمهورُ فقهاءِ الأمصارِ: إنها من فروضِ الصلاةِ. وإلى هذا ذهَب أبو الفرج عمرُو بنُ محمدٍ المالكيُّ، واستدلَّ بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قرَن أخذَ الزِّينةِ بذكرِ المساجدِ، يعني الصلاةَ، والزينةُ المأمورُ بها في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]: هي الثيابُ الساترةُ للعور؛ لأنَّ الآيةَ نزَلت مِن أجلِ الذين كانوا يطوفونَ بالبيتِ عُراةً؛ وهذا ما لا خِلافَ فيه بينَ العلماء.

وأخبرنا عبدُ الله بنُ محمد، قال: حدَّثنا حمزةُ بنُ محمدٍ، قال: أنبأنا أحمدُ بنُ شعيبٍ، قال: أنبأنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: حدَّثنا غُندرٌ، عن شعبةَ، عن سلمةَ، قال: سمِعتُ مسلمًا البَطينَ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كانتِ المرأةُ تطوفُ بالبيتِ وهي عُريانةٌ، وتقولُ:

اليومَ يبدُو بعضُه أو كُلُّهُ ... فما بَدَا منه فلا أُحِلُّهُ

فنزلت: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (١).

قال أبو عمر: لا يختلفُ العلماءُ بتأويلِ القرآنِ أنَّ قولَه عزَّ وجلَّ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} نزلت في القوم الذين كانوا يطوفونَ بالبيتِ عُراةً؛ رَوَينا عن مجاهدٍ، وطاووسٍ، وأبي صالح، ومحمّدِ بنِ كعبٍ القُرظيِّ، ومحمدِ بنِ شهابٍ


(١) في المجتبى (٢٩٥٦)، وفي الكبرى ٤/ ١٣٣ (٣٩٣٣) و ١٠/ ٩٨ (١١١١٨)، وأخرجه مسلم (٣٠٢٨) (٢٥)، وابن خزيمة في صحيحه ٤/ ٢٠٨ (٢٧٠١) عن محمد بن بشّار، به. غُنْدَر: هو محمد بن جعفر، وشعبة: هو ابن الحجاج، وسلمة: هو ابن كُهَيل.
وقد ذكر ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة ٢/ ٨٤٠ أن قائلة بيت الشِّعر الوارد في هذا الخبر اسمها ضباعة بنت عامر القُشَيرية. ومثل ذلك ذكر السُّهيليُّ في الرَّوض الأنف ٢/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>