للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزُّهريِّ، في ذلك معنى ما نورِدُه بدخولِ كلام بعضِهم في بعض، وأكثرُه على لفظِ ابنِ شهابٍ، قال: كانت العربُ تطوفُ بالبيتِ عراةً (١) إلّا الحُمسَ؛ قريشًا وأحلافَهم، فمن جاءَ من غيرِهم وضَع ثيابَه، فطافَ في ثوبَيْ أحمَسيٍّ؛ يستعيرُهما منه، فإن لم يجدْ مَن يُعيرُه استأجرَ مِن ئيابِهم، فإن لم يجد مَن يستأجرُ منه ثوبَه مِن الحُمْس، ولا مَن يُعيرُه ذلك كان بينَ أحدِ أمرين: إمَّا أن يُلقِيَ عنه ثيابَه ويطوفَ عُريانًا، وإمَّا أنْ يطوفَ في ثيابِه؛ فإن طافَ في ثيابِه ألقاها عن نفسِه إذا قضَى طوافَه، وحرَّمها عليه فلا يقربُها ولا يقربُها (٢) غيرُه، فكان ذلك الئوبُ يسمَّى اللَّقَى (٣)، وفي ذلك يقولُ بعضُهم:

كفى حزنًا كرِّي عليه كأنَّه ... لَقًى بينَ أيدي الطائفينَ حريمُ (٤)

والمرأةُ في ذلك والرجلُ سواءٌ، إلّا أنَّ النساءَ كُنَّ يطُفنَ بالليلِ، والرجالُ بالنهارِ، فقدِمتِ امرأةٌ لها هيئةٌ وجمالٌ، فطافتْ عريانةً، وقال بعضُهم: بل كان عليها مِن ثيابِها ما ينكشِفُ عنها، فجعَلت تقول:

اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّهُ ... فما بدَا منه فلا أُحِلُّهُ

فكانوا على ذلك حتى بعَث اللهُ نبيَّه -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل (١) عليه: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: ٢٦]؛ لأنهم كانوا


(١) هذه الكلمة لم ترد في د ١.
(٢) قوله: "ولا يقربها" لم يرد في د ١.
(٣) واللَّقى: ما ألْقى الناسُ من خِرْقةٍ ونحوه. (العين للخليل بن أحمد ٥/ ٢١٦).
(٤) البيت في أخبار مكّة للأزرقيّ ١/ ١٧٥ - ١٧٦، ١٧٩، وعزاه لورقة بن نوفل الأسَديّ.
وقوله فيه. "حَريمُ" أي: محرَّمٌ لا يؤخَذ ولا يُنتفع به. وقال الأزهريُّ كما في اللسان مادة (حرم): الحريمُ: الذي حرُم مسَّه فلا يُدْنى منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>