للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلَ الدَّينِ أو أكثرَ منه، فهو بما فيه، وإن كان أقلَّ مِن الدَّينِ، ذهَب مِن الدَّين بقَدْرِه، ورجَع المرْتَهِنُ على الراهِنِ بما نقَص. والرَّهنُ عندَهم مَضْمُونٌ بقيمةِ الدَّينِ فما دُونَ، وما زاد على الدَّينِ فهو أمانَةٌ (١). ورُويَ مثلُ هذا القولِ كلِّه أيضًا عن عليِّ بنِ أبي طالبِ، مِن حديثِ عبدِ الأعلى، عن محمدِ بنِ الحنفِيَّة، عن عليٍّ (٢)، وهو أحْسَنُ الأَسانِيدِ في هذا البابِ عن عليٍّ (٣).

وتأويلُ قولِه: "له غُنْمُه، وعليه غُرْمُه" عندَ هؤلاء؛ أبي حنيفةَ وأصحابِه، ومَن قال بقولهم: أنّه لا يكونُ للمُرْتَهنِ، ولكنْ يكونُ للراهِنِ، وغُنْمُه عندَهم: ما فضَل مِن الدَّينِ. "وعليه غُرْمُه": ما نقَصَ مِن الدَّيْنِ.

وهذا كلُّه عندَهم في سلامَةِ الرَّهنِ لا في عَطَبِه (٤)، على ما تقدَّمَ ذكرُنا له، فالرهنُ عندَ هؤلاء في الهلاكِ مضْمُونٌ بالدَّين، لا بنفسِه وقيمتِه.


(١) نقله عنهم محمد بن نصر المروزيّ في اختلاف الفقهاء، ص ٥٦٥، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٠٩.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف (٢٣٢٤٥)، وابن حزم في المحلّى ٨/ ٩٧، والبيهقي في الكبرى ٦/ ٤٣ (١١٥٦٥) من طرقٍ عن عليِّ بن صالح بن حيّ، عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبيّ، به. وضعَّف البيهقيُّ هذه الرواية بعبد الأعلى الثَّعلبي، فساق بإسناده إلى عليّ بن المدينيّ أنه قال: سألت يحيى بن سعيد القطّان عن عبد الأعلى الثّعلبي فقال: "تَعرِف وتُنْكرُ، قال يحيى: قلت لسفيانَ الثوريِّ في أحاديث عبد الأعلى عن محمد ابن الحنفيّة فوَهَّنَها".
(٣) ولكن ذهبَ محمد بن نصر المروزيُّ إلى ردِّ كلِّ ما ورد عن عليٍّ رضي الله عنه في هذا الباب، فقال في اختلاف الفقهاء له، ص ٥٦٧ بعد أن ذكر اختلاف الرواية عنه في ذلك: وليس يثبُت عن عليٍّ قولٌ صحيح. قلنا: والأمر كما ذكر، فلا تخلو رواية عنه في هذا من مقال، وما نقله البيهقيُّ عن الشافعيِّ من ترجيح رواية على أخرى، وقول المصنِّف هنا "وهو أحسن الأسانيد في هذا الباب عن عليٍّ" إنما هو ترجيح بين الروايات الضعيفة والأضعف منها، والله تعالى أعلم، فالقول في هذا قول المروزيِّ.
(٤) أي: في هلاكه. والعطَب: الهلاك. الصحاح مادة (عطب)، وينظر ما نُقِل في هذا عن أبي حنيفة وأصحابه: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>