للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حُجَّتِهم أنَّ المرتَهِنَ لما كان أحَقَّ به مِن سائِرِ الغُرَمَاء عندَ الفَلَسِ، عُلِم أنّه ليس كالوَدِيعَةِ، وأنّه مَضْمُونٌ؛ لأنّه لو كان أمانَةً لم يكنِ المرتَهِنُ أحَقَّ به.

وقال شريحٌ، وعامِرٌ الشعبيُّ، وغيرُ واحدٍ مِن الكُوفيِّينَ: يذْهَبُ الرهنُ بما فيه؛ كانت قيمَتُه مثلَ الدين، أو أكثرَ منه، أو أقَلَّ، ولا يرجِعُ واحِدٌ منهما على صاحبِه بشيءٍ. وهو قولُ الفقهاءِ السبعةِ المدنيين، إلّا أنَّهم إنّما يجعَلُونَه بما فيه إذا هَلَك وعَمِيَت قيمَتُه، ولم تَقُمْ بيِّنَةٌ على ما فيه، وإن قامتْ بيِّنةٌ على ما فيه، ترَادَّا الفضلَ (١).

وهكذا قال الليثُ بنُ سعدٍ؛ مذْهَبُه في هذا ومذهَبُ السبعةِ سواءٌ، قال الليثُ: وبَلَغَني ذلك عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ. والحيوانُ عندَ الليثِ لا يُضْمَنُ، إلّا أن يُتَّهَمَ المُرْتَهِنُ في دعوَى الموتِ والإباقِ. وقال الليثُ: يكونُ بالموتِ ظاهرًا مَعْلُومًا. قال: فإن أعْلَمَ المرتهِنُ الراهِنَ بإباقِه أو موتِه، أو أعْلَم السلطانَ، إن كان صاحِبُه غائبًا، حَلَف وبَرِئ (٢).

وقالت طائفةٌ مِن أهلِ الحجازِ، منهم سعيدُ بنُ المسيِّب، والزهريُّ، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومسلمُ بنُ خالدٍ، والشافعيُّ، وهو قولُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، وأبي ثورٍ، وعامَّةِ أهلِ (٣) الأثرِ، وداودَ بنِ عليٍّ: الرهنُ كلُّه أمانةٌ، قليلُه وكثيرُه، ما يُغابُ عليه منه، وما يظهَرُ، إذا ذهَب مِن غيرِ جنايَةِ المرْتَهِنِ، فهو من مالِ الراهِنِ، ولا يُضْمَنُ إلّا بما تُضْمَنُ به الودائِعُ وسائِرُ الأماناتِ، ودينُ المرتهِنِ ثابِتٌ على حالِه.


(١) ينظر: المصنَّف لعبد الرزاق ٨/ ٢٣٨ - ٢٤٠، ولابن أبي شيبة (٢٣٢٣٤) وما بعدها، فيما أخرجه من طرق عديدة عن شريح والشعبي وغيرهما في هذا المعنى. وكذا نقل عنهما وعن غيرهما المروزيُّ في اختلاف الفقهاء ص ٥٦٥.
(٢) ينظر قول الليث بن سعد في هذا: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣١٠.
(٣) في ج: "أصحاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>