للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: والحيوانُ في ذلك، والعقارُ، والحُليُّ، والثيابُ، وغيرُ ذلك، سواءٌ (١). وحُجَّتُهم في ذلك حديثُ سعيدِ بنِ المسيِّب، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "الرَّهْنُ ممَّن رَهَنَه؛ له غُنْمُه، وعليه غُرْمُه". وقد وصَلَه قومٌ عن سعيدِ بنِ المسيِّب، عن أبي هريرةَ. قالوا: وهو مَرْفُوع صحيح عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (٢). ومراسِيلُ سعيدٍ عندَهم صِحاحٌ.

ومعنى قولِه: "له غُنْمُه"؛ أي: له غَلَّتُه ورقبَتُه وفائدَتُه كلُّها، "وعليه غُرْمُه": فَكَاكُه ومُصِيبتُه. فعلى هذا معنى هذا القولِ عندَهم: غُنْمُه لصاحِبِه، وغُرْمُه عليه.

قالوا: والمُرْتَهِنُ ليسَ بمُتعَدٍّ في حَبْسِه فيَضْمَنَ، وإنّما يَضْمَنُ مَن تَعَدَّى، والأمانَةُ لا تُضمَنُ بغيرِ التَّعَدِّي. فهو عندَ هؤلاء كلُّه أمانةٌ، وعندَ أبي حنيفةَ وأصحابِه، ما زاد على قِيمَتِه فأمانةٌ، وعندَ مالكٍ، ما لا يُغَابُ عليه أمانةٌ، لا تُضْمَنُ إلّا بما تُضْمَنُ به الأماناتُ مِن التَّعدِّي والتَّضْييع، وكذلك ما يُغابُ عليه إذا ظهَر هَلاكُه، لم يجِبْ على المرتهِنِ ضَمانُه.


(١) نقله عنهم محمد بن نصر المروزيّ في اختلاف الفقهاء، ص ٥٦٦، ٥٦٧، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣١٠.
(٢) ذكر هذا القول بتمامه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣١١، ونقل بإثره قول الشافعي: "وصَلَه ابنُ المسيِّب عن أبي هريرة عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مثله أو مثل معناه من حديث ابن أبي أُنيسة"، ثم قال: "ومِن أعجَبِ العَجَبِ ذكرُه لابن أبي أُنيسة، وهو يحيى، لا زيدٌ؛ لأنّ يحيى ليس ممَّن يُلتَفت إلى حديثه ولا يُحتجُّ بمثلِه، ومنْ مذهَبِه أنّه لا يقبل زيادةَ غيرِ حافظٍ على حافظٍ، فقد قيل: زيادةُ يحيى بنِ أبي أُنيسةَ على جماعة حفّاظ، منهم: مالك بن أنسٍ وغيره من أصحاب الزُّهريِّ الذين تقوم بهم الحُجَّةُ عنده، ثمَّ أضاف جميع ما ذكره في هذا الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنّما هو: لا يَغْلَق الرَّهْنُ، دون ما سِواهُ مما فيه، وبقيّته من كلام سعيد بن المسيِّب بغير حكايةٍ منه إيّاه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قلنا: سلف تعليقنا على مرسل ابن المسيِّب، وعلى الموصول منه بما في ذلك رواية يحيى بن أبي أُنيسة في أثناء هذا الشرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>